السوريون ضيوفنا .. المملكة لا تساوم ولا تبحث عن مكاسب
لم يكن أكثر الناس تشاؤما يتوقع أن تأخذ الأزمة السورية هذا الاتجاه وأن تجري أحداثها على ما نراه اليوم من مأساة فاقت كل المآسي التي عانتها البشرية ولا تزال الأحداث قادرة على إحداث صدمة لكل من لديه شعور إنساني أيا كان دينه أو موقعه في هذا العالم، ومع كل يوم يمر هناك مزيد من المعاناة ومزيد من الضحايا والخسائر والانهيار الأخلاقي في معالجة الأزمة على مستوى المجتمع الدولي ومنظماته المختصة بالأزمات حيث ظهر العجز واضحا، والأخطر هو تضارب مصالح الدول في سورية حتى طالت الأزمة وفشلت الحلول السياسية بسبب اختلاف المواقف وعدم وجود إجماع دولي لتبني موقف موحد.
الآن ما يجري في سورية لن تكون عواقبه سهلة ليس على الدول المجاورة، بل حتى على الدول البعيدة عن سورية وهذا ما حذرت منه المملكة منذ بداية الأزمة مع ضرورة توحيد المواقف وتفادي تضارب المصالح التي جعلت النظام السوري يلعب على تلك الأوتار بترتيب سياسي مع دول تريد للأزمة أن تستمر لكسب مواقف قادمة والإمساك بخيوط اللعبة وعدم الخروج منها.
لقد بلغت الأزمة حدا غير مسبوق وكانت حالة اللجوء إلى الدول المجاورة أكبر نتائجها التي بدأت تتضخم وتفرض نفسها واقعا على الدول المجاورة وهو خطر ليس بأقل أهمية من ظهور الجماعات الإرهابية والمسلحة وتحول الساحة إلى حرب أهلية غير مسبوقة في التاريخ لعبت فيها الدول دورا بتخليها عن واجبها الدولي والقانوني في حماية الشعب السوري منذ البداية وإيجاد نظام وطني بديل يتولى قيادة الدولة بتوافق وطني مقبول من الجميع أو الأكثرية على الأقل ليستطيع إعادة البلاد إلى مسارها الصحيح.
كل ذلك لم يحصل مع الأسف الشديد ولكن ما جرى هو العكس تماما بقاء النظام يمارس القتل والتدمير وظهور جماعات وميليشيات تزايد على العنف ضد الشعب السوري فيما بينها وتقود البلد نحو كارثة بلغت حد تصدير الإرهاب للدول المجاورة بعد أن اختلطت الأوراق ولم يعد ممكنا تبرئة أحد من الدماء والعنف والجرائم ضد الإنسانية، ولعل من تلك الجرائم التهجير القائم حاليا فهناك مكونات يراد منها المغارة والخروج لكسب أراض أو إحلال مكون مجتمعي آخر محلها لأغراض طائفية وقومية وسياسية.
والآن هناك مأساة هي حالة اللجوء والهجرة الجماعية التي تحولت إلى طوفان يعبر البحر المتوسط تجاه دول أوروبا وقد تباينت مواقف الدول الأوروبية بين من يحذر ومن يستقبل اللاجئين ومن يمنع عبورهم الحدود لعدم القدرة على استقبالهم وتقديم المعونة لهم، في حين كان موقف المملكة ومنذ بداية الأزمة يتميز بتقديم المعونات الإنسانية للشعب السوري عموما وخصوصا في الدول المجاورة لبنان والأردن مع استضافة ما يقارب مليونين ونصف المليون في المملكة من الإخوة السوريين وهوغير مستغرب من المملكة التي تقدم ذلك انطلاقا من موقفها الديني أولا وموقفها السياسي الواضح منذ بداية الأزمة.
بالفعل لم يعط الإعلام دورا كبيرا لمشاركة المملكة في مساعدة الشعب السوري لأن المملكة ليست في مجال منافسة مع أحد في ذلك ولا تساوم أو تحاول أن تحقق مكسبا من وراء ما تقدمه، فالأفعال وليست الأقوال هي التي تعبر عن نفسها، ولذا لم تكن تلك المساعدات موضوعا للحديث الإعلامي لأنها تأتي في سياقها الطبيعي لمواقف المملكة قيادة وشعبا وفي كل الأزمات التي عصفت بالمنطقة.
هناك مواقف إيجابية لبعض الدول ومنها دول أوروبية قررت استضافة بعض اللاجئين السوريين ولكن بعض وسائل الإعلام اعتبرت أن تلك الدول غير مسبوقة، بل انتقدت مواقف بعض الدول العربية متجاوزة الحقائق والواقع، فالذين تمت استضافتهم في المملكة من السوريين لم تقم المملكة بوضعهم في مخيمات أو معسكرات، بل سكنوا مع إخوانهم السعوديين والمقيمين في المدن والمحافظات دون تمييز لهم، بل وفرت لهم الدولة الحق في التعليم لأبنائهم وبناتهم وحق العمل للآباء وهو موقف غير مستغرب، ولم تكن القيادة حريصة على إبراز دورها الإنساني هذا لأنه ليس للاستثمار السياسي كما هو اليوم في مواقف بعض الدول. وأخيرا نسأل الله أن يزيل الغمة عن الشعب السوري. الذي نتمناه أن تعود سورية وطنا آمنا للشعب السوري وللعرب ولشعوب الدول المجاورة، وأن يجد العالم مخرجا من هذه الأزمة التي ألقت بظلالها القاتمة على المنطقة بأكملها.