زيارات عائلية .. بثمن

حين أنشد الإمام الشافعي:

نعيب زماننا والعيب فينا

وما لزماننا عيب سوانا

ونهجو ذا الزمان بغير ذنب

ولو نطق الزمان بنا هجانا

فقد كان يدرك أن العلة في التغير السلبي للناس لم تكن تكمن في تغير الزمان، بل في تغير الناس أنفسهم، ولو فكرنا قليلا لأدركنا أن كل شيء متعلق بالزمان منذ بدء الخليقة لم يتغير، فالشمس لم تشرق من مغربها يوما، ودرجات الحرارة لم ترتفع في الشتاء، والقمر لم يخرج نهارا، والأيام تسير إلى الأمام لا إلى الخلف!
إذن لماذا تغيرت أحوال الناس ودبت القطيعة وبدأت العلاقات العائلية في التفكك، وتباعدت الزيارات، حتى أوشك الأشقاء أن يكونوا كالغرباء، وندرت اللقاءات بين الجيران، حتى أصبح البعض لا يعرف من هو جاره الجنب، وأصيبت المشاعر بالوهن حتى أصبحت هشة هزيلة!
كثيرون سيقولون السبب هو قلة الوقت و”عدم الفرغة”، وهذا سبب أوهى من بيت العنكبوت، فلو تتبعنا أوقاتنا اليومية المهدرة على التلفزيون و”الواتس” ومواقع التواصل لخجلنا من ترديد هذا العذر!
هناك سبب من وجهة نظري أسهم ــ من دون أن نشعر ــ في بناء حاجز قوي أمام تواصلنا مع الآخرين، هو التكلف الزائد والمظاهر المتصنعة التي يجب أن نقوم بها حين يزورنا ضيف أو قريب أو جار!
فقبل الزيارة يجب أن نكون قد فكرنا في أطباق “الحلا” التي سنعدها أو نشتريها، وكذلك في نوعية “المعجنات والمكسرات” التي يجب أن تكون من أرقى المحال، وأواني الشاي والقهوة يجب أن تكون رسمية وفخمة، وكذلك طريقة “تصفيف العزومة”، أما إن كانت مناسبة عشاء أو غداء فالاستعداد يبدأ قبلها بأيام، ويوضع جدول بقائمة الأطباق المقترحة، وتبدأ أطباق السفرة الفخمة في الخروج من دواليبها، وكأننا في نفير حرب، لا مناسبة لاستقبال أحبة، تشتاق لهم مشاعرنا وقلوبنا.. وطبعا صور “العزومة” سيراها الناس في “الإنستجرام” حتى قبل أن يراها الضيوف!
هذا التكلف الزائد صنع من لقاءاتنا أمرا في غاية الصعوبة والإرهاق، ويحتاج إلى جهد كبير، ما جعل البعض يستثقله، لماذا لا نجعل البساطة عنوانا للقاء الأهل والجيران والأصدقاء، قهوة وشاي وتمر ستفي بالغرض، إن كانت قلوبنا تنبض بالحب والشوق، وصحن عشاء واحد نجتمع حوله وتمتد أيدينا إليه سيفي بالغرض، إن كانت مشاعرنا تحيطنا بخيوط حريرية من الدفء الجميل!

وخزة
ما فائدة أن تقيم لي وليمة عشاء فخمة بصحون سفرة غالية الثمن.. وروحك تنتظر بلهفة لحظة مغادرتي بيتك؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي