Author

صناعة قادة «الاستدامة» .. كيف؟

|
في صيف عام 2005 أي قبل عقد من الزمان كانت نسائم الاهتمام بتدريس المسؤولية الاجتماعية للشركات، تخفف من رطوبة الأجواء الأكاديمية في جامعاتنا السعودية التي بدت متراخية جدا لعقود ماضية في الاهتمام بهذا المفهوم التنموي المهم في خلق بيئة عمل تنافسية في القطاعات الأهلية. غير أن تلك البشائر التي كانت تلوح في الأفق، بـ "ببروقها"، وكنت أحث الخطى نحوها بدت هي الأخرى مجرد "سحابة صيف "كما يقول أهلنا الأدباء، أو كما يغني الفنان محمد عبده "كل المواعيد.. وهم!". كانت الاجتماعات مع عدد من الجامعات الأهلية والحكومية، تبدأ وتنتهي بالابتسامات والوعود المرسوم على جبينها: "نلتقي لاحقا" ولا يأتي لاحقا أبدا!.. وكنت وفريقي من خبراء يأتون خصيصا من دول متقدمة في تدريس تطبيقات "الاستدامة" بكل تفريعاتها، كنا نمتص غضبنا في كثير من الأحيان حين تتحول الاجتماعات إلى نقاشات فرعية عن هموم التعليم العالي وبيروقراطية التعامل الأكاديمي! لم نفقد الأمل يوما ونحن نتشرف أمامهم وأمام الرأي العام عبر وسائل الإعلام، أننا في السعودية والعالم العربي نحتاج إلى جيل من المختصين في"الاستدامة" وأن آلاف الشركات في عالمنا العربي تحتاج إلى هؤلاء الشباب والشابات ليصبحوا خبراء في هذا المجال الذي يشكل نقطة التحول الكبرى في طريق التنمية المستدامة. اللافت في الأمر بعد عشر سنوات مضنية من الركض اليومي لإشاعة ثقافة "الاستدامة" وجعلها قيمة مضافة في أداء الشركات لتنمية قدراتها وحماية علامتها وتحسين علاقتها بأصحاب المصالح، بات واضحا أن كل النبوءات الاستشراقية تحققت من حيث إنشاء أقسام أو إدارات للمسؤولية الاجتماعية للشركات، وبمسميات مختلفة، أثمرت عن حاجة فعلية لتوظيف مئات الشباب سنويا لإدارة تلك الأقسام الحديثة، وزيادة في معدل البرامج المنبثقة عن هذه الإدارات، دون وجود كادر مؤهل لقيادة هذه الشركات نحو مفهوم حقيقي للاستدامة، نتيجة تراخي الجامعات والمعاهد عن إدراج هذا المنهج كنواة لأقسام متخصصة في الإدارة الحديثة، في حين يوجد اليوم برنامج "تدريس مبادئ الإدارة المسؤولة" PRIME وهو رابطة من 500 كلية اقتصاد وإدارة في 80 دولة من أهدافه إدخال مبادئ الاستدامة في مناهجها وخاصة MBA والهدف الأساس هو تأهيل جيل مسؤول من قادة الأعمال لإدارة تحديات كبيرة تواجه قطاع الأعمال المجتمع. ولعلي أصنف الحجب المتعمد لتلك المعلومات القيمة من مصادر موثقة ومن العاملين في هذا المجال لدينا.. هو ما فتح الباب لكل من "هب ودب" للتنظير وأسهم في مخرجات برامجية متواضعة لا تفي بالحد الأدنى من مكتسبات التنمية للأجيال المقبلة. اليوم نحن في مفترق طرق، واقتصاديات العالم تتحاور بلغة الأرقام، ولا مجال للاجتهادات الفردية أو الخطب التي نسمعها في كل محفل عن "الاستدامة".. نحن نحتاج إلىمشروع أكاديمي مواز يكرس جهده على إخراج قادة مؤهلين لقيادة شركاتها إلى عالم تنافسي وبالتالي إلى عالم أكثر رفاها.
إنشرها