هوامش على دفتر الإجازة الصيفية
منذ أن كتب الشاعر نزار قباني قصيدته "هوامش على دفتر النكسة".. بعد هزيمة عام 1967 والعرب يستعملون هذا التعبير لتسمية الأمور بغير أسمائها، والسخرية التامة في الحديث عن موضوعات جادة، لكنني اليوم أتحدث إلى العائدين من الإجازة لأقول لهم: ليقف كل منكم مع نفسه وقفة جادة لمعرفة مدى استفادته من إجازته التي صرف خلالها مبالغ طائلة.. ثم أبدأ بأسئلة محددة؛ فأقول هل شاركت أيها العائد من الإجازة في تصرفات تسيء إلى سمعة بلدك وأمتك؟ "ولو أن هذه التصرفات قد ضخمت هذا العام بفعل جهات معادية"، فإن كنت كذلك فعليك أن تعتذر لوطنك وأن تعقد العزم والنية على عدم العودة إلى مثلها.. ثم هل وضعت لإجازتك هدفا وخطة وتواريخ وموازنة محددة، أم أن الأمور قد سارت حسب التأهيل، وأن حجوزات الطيران والفنادق في آخر لحظة قد كلفتك كثيرا من المال ومن الجهد، وأن المصروفات قد تجاوزت المبلغ الذي رصدته لها، الذي إن كان متوافرا لديك فالأمر أهون لكن المصيبة إن كان قرضا يعمل عداد فوائده على مدار الساعة ويزيد من ضخامة الرصيد جولات حرمكم المصون وبناتها في الأسواق لشراء ما هب ودب بأسعار أغلى مما هي في أسواقنا من "الماركة" والنوع أنفسهما.. فالمهم أن يقال إنها اشترت الفستان من باريس وحقيبة اليد من لندن والساعة من جنيف؟!
ولعل ما تقدم يعد صورة واقعية لثقافة الإجازة لدينا في السنوات الماضية منذ أن توافرت المادة في أيدي الأغلبية من الناس.. حتى الذين لم يعرف عنهم حب السفر التحقوا بالركب أخيرا، لا لشيء إلا ليقال إنهم سافروا في الإجازة!
وأخيرا: المقبل من السنوات لن يكون كذلك؛ فالأحزمة ستشد على البطون هذا العام أو العام الذي يليه، ولذا فإن علينا جميعا أن نعيد النظر في ثقافة الإجازات لتكون أولا إلى أماكن لم تشاهدها من قبل، وأن تكون إلى البلدان الرخيصة نسبيا، وأن نحذف من وجهات سفرنا تلك الدول التي تحجز فيها طاولة المطعم أو المقهى بما يساوي قيمة الفاتورة الفعلية، وأن نتوجه في كل الدول إلى الأرياف؛ ففيها الأجواء الطيبة والهواء العليل والمساحات الخضراء بعيدا عن تلوث الهواء وزحام الشوارع، وهذه الصفات تنطبق أيضا على مصائفنا في الجنوب والشمال؛ فلقد اتصلت ذات مرة بصديق في لندن، وكنت يومها في جبل السودة في أبها؛ فإذا هو يشتكي من الحر ونظرت إلى درجة الحرارة في السيارة التي تقلنا وقت الظهيرة فإذا هي 12 درجة فقط مع زخات خفيفة من المطر.
وتبقى نقطة مهمة، وهي أن تعمل الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني على إيجاد مادة غير إلزامية تدرس للطلبة والطالبات في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة اسمها "ثقافة الإجازات"، حيث نزرع في نفوسهم كيفية الاستفادة القصوى من الإجازة بأقل التكاليف والاعتزاز بقضاء إجازاتهم في وطنهم.