المدربون وداسيلفا
ثمة مدرب يخلق نظاما دقيقا في فريقه لا يختل أمام أي غياب، فيه أدوار محددة واضحة، يسير معها الفريق كالساعة لا تقديم ولا تأخير، هؤلاء المدربون فنيون تكتيكيون من الدرجة الأولى، وفي مرحلة أدنى لديهم، تأتي بقية العوامل المساندة كالتحفيز النفسي وشحذ الطاقات. أبرز سمات هؤلاء القادة الفنيين أنهم يضعون الخطة والرسم الميداني قبل اختيار القائمة، ومن ميزاتهم أنهم لا يتركون مجالا للمفاجأة كل شيء محسوب قبل أن يبدأ العمل، ولا يهتمون باسم العامل قدر الاهتمام بالدور ذاته. أقرب الأسماء الراسخة في ذهني ضمن هذه الفئة، الفرنسي الخلاق إيمي جاكيه بطل مونديال 1998، ومحليا يقف اليوناني دونيس مدرب بطل الكأسين على رأس القائمة.
في الجهة الأخرى، هناك مدربون، يعتمدون على التجهيز البدني العالي للفريق، ونسج الخطط التكتيكية بناء على الأسماء والأدوات المتوافرة والقدرة على استثمار النجوم المتفردة في صفوف الفريق، وقراءة الخصم المقابل، ويساوي هؤلاء بين الجوانب الفنية والمعنوية لا يقدمون شيئا منها على آخر، أبرز رواد هذا الاتجاه محليا السويسري جروس مدرب الأهلي.
جروس يشبه كارينيو كثيرا، والاثنان يعيب عليهما بعض الفنيين عدم الثبات على قائمة أساسية محددة، مع أن هذه الجزئية بالذات هي سبب قوة الرجلين الفنية والمعنوية لأنهما يختاران اللاعب المناسب في المباراة المناسبة.
.. اليوناني دونيس مدرب الهلال، تسلم الأزرق العاصمي وهو يئن تحت وطأة جراح عميقة نالت من بنيته وأساساته، واهتزت معها قناعات كثيرة، ولم تسلم مسيرته اللاحقة تحت قيادة ابن اليونان من غيابات واضحة، لم تمنعه من تكوين فريق جماعي جعل المتابع يشعر بأن لا أحد تخلف عن الركاب الزرقاء، يغيب من يغيب ويبقى هلال دونيس حاضرا، لأن المجموعة تتقدم على الفرد، والفرد جزء من نسيج المجموعة العاملة.
دونيس رجل كاريزمي ومدرب صبور للغاية ورياضي متفوق طوال تاريخه، تعرض لهزات قوية في حياته العملية والأسرية، كاد يوما أن يدفع عمره ثمنا لها إثر رصاصة غادرة استقرت في باب منزله الذي غادره من يومها للأبد، وخلقت منه كل هذه الهزات رجلا قويا يتسلح بالتحدي كظله في كل مشاويره الرياضية.
الفئة الأولى التي يتصدرها محليا جروس، تستطيع أن تغير الفريق في لمحة أثناء المباراة، ولا يمكن لأي فريق أو متابع الاعتقاد أنه انتصر عليهم حتى لو تقدم بهدفين ما لم يصفر الحكم صافرة النهاية، أما الفئة الثانية التي يقف على رأسها دونيس، فحتى لو خسرت لا تتعثر لأن النظام يبقى وتستمر المسيرة.
هناك فئة ثالثة من المدربين، يقذف بهم الحظ في سدة القيادة الفنية لفرق متكاملة تم بناؤها على أساس متين صلاحيته تمتد عامين لا أكثر، هؤلاء محظوظون، حفظة لا مبدعون، يمكن للمتابع أن يقرأ تغييراتهم قبل المباراة بأسبوع، وأبرز أمثلتهم هو الأوروجوياني داسيلفا مدرب النصر الحالي الذي ورث فريقا رائعا عن سلفه كارينيو. لم يظهر داسيلفا أي براعة فنية منذ تسلم النصر إلا قدرته الفائقة في تفكيكه وترك ترسبات سيئة في نفوس بعض اللاعبين كما يفعل منذ عام في الموهوب يحيى الشهري. داسيلفا مدرب جبان، خطته الفنية أشبه بـ"منيو" مطعم لبناني يحفظه الجميع عن ظهر قلب، مدرب لا يستطيع أن يستبدل نجما جماهيريا، ولا يستطيع أن يحرك غصنا في الأصفر العاصمي ما لم يباركه كبار الفريق.