Author

شركات مسؤولة هناك .. غير مسؤولة هنا

|
تخيل عزيزي القارئ أن ميزانية برامج المسؤولية الاجتماعية لـ 158 شركة أمريكية وبريطانية فقط في قائمة "فورتشن جلوبال 500" تلامس سقف 15 مليار دولار سنويا، أي أنها تعد أكثر من ميزانيات بعض الدول العربية لعام 2014! وفيما ارتكزت البرامج المسؤولة لهذه الشركات على تحسين المجتمعات وبيئة العمل أو تطوير التعليم أو تقديم أدوية أو معدات مجانية لبعض البرامج الصحية أو برمجيات مجانية للمدارس الثانوية أو الجامعات وغيرها وبحسب المجالات التي تعمل فيها، ورغم أن عددا من هذه الشركات موجود بشكل أو بآخر في العالم العربي إلا أن تأثير إسهاماتها المستدامة في منطقة الخليج، وخاصة مملكتنا الحبيبة، لا يكاد يذكر في ظل الأرقام المخيبة للمؤشرات التنموية المحلية الإقليمية! ولأن التباين في الأداء المسؤول للشركات، عربيا وعالميا، يطرح عدة استفهامات بشأن جدية برامج الاستدامة وأحيانا ماهيتها! فإن اللاعب الأكبر في محدودية فاعلية برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات في منطقتنا العربية، في رأيي، هو الضعف الكمي والنوعي لمؤسسات المجتمع المدني، ندرة المتخصصين في التنمية البشرية "وليست تنمية الموارد البشرية" واستدامة الشركات، وضعف التشريعات "المحفزة" للقطاع الخاص بأخذ زمام المبادرة في قطاعاتهم المختلفة. هذا الغياب أفضى بدوره إلى طرح السؤال نفسه مرارا وتكرارا.. هل تهتم حقا هذه الجهات بالمسؤولية الاجتماعية للشركات كما تزعم؟ التجارب الرائدة للشركات في مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات عالميا وعلى روعتها، كما تبدو، إلا أن أحد أهم الأسباب لتبنيها هي استجابة لمتطلبات قانونية وتنظيمية، كما جاء في استطلاع رأي شمل مديرين ماليين لشركات أمريكية، إضافة إلى تعزيز الصورة الذهنية والعلامة التجارية وتحسين معنويات وأداء الموظفين. أي أن الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني تتحمل مسؤولية أساسية في جعل المسؤولية الاجتماعية للشركات سياسات تنموية تخدم المجتمع ككل وإخراجها من حيز البرامج السطحية أو العشوائية من خلال العمل كجهة ضغط إيجابي، خاصة أنه يمكن أن تساهم هذه السياسات والإجراءات في تحسين جودة المبادرات أو توجيهها لأهم الاحتياجات التنموية ومعالجة الملفات المهمة وقياسها. بات من المهم أن نخطو الخطوة الثانية والأهم في سلم الاستدامة، وهو "وعي" الجهات الصانعة للقرار أهمية تأثيرها في أداء القطاعات الأهلية ودفعها للأداء الرأسي والأفقي ماليا وبيئيا واجتماعيا وتجاه موظفيها لا أن تقدم عقودا خيرية محدودة الأجل لتحسين العلامة التجارية، والتي جعلت لبرامج المسؤولية الاجتماعية لدينا وفي منطقة الخليج صورة نمطية على وزن جعجعة دون طحن، وكي لا تزيد الفجوة بين صورة الاستدامة في الخارج وصورتها في أوطاننا، بات مهما جدا أن نضع الشركات الأجنبية والوطنية أمام مسؤولياتها الحقيقية من خلال مرجعية واضحة لقياس أداء الشركات في هذا المجال الحيوي نحو المستقبل وأن نتوقف فورا عن تبادل كرة "اللهب" ونفكر فعلا في غد تحترمنا فيه الأجيال القادمة.
إنشرها