مسافر في العيد
قبل ليلة العيد بأيام وصلت إليّ رسالة من إحدى الأمهات؛ تقول فيها: "أستاذة سلوى إيش رأيك باللي يسافر للخارج مع زوجته وأطفاله قبل العيد بيومين أو ليلة العيد عشان يحضر المهرجانات والاحتفالات، من دون ما يراعي مشاعر أمه وأبوه وهم يتجرعون مرارة عدم مبالاته "بمعايدتهم" في يوم العيد، أنا من الأمهات اللي ما يظهرن مشاعر الغضب لكني أتألم بصمت لما ولدي يتصل فيني ويقول أنا يمه بالمطار نبي نروح نعيد بالخارج توصين على شيء. والله ثم والله، إن فرحتي بالعيد تظل ناقصة وهو ما راعى مشاعري أنا وأبوه الله يهديه".
رسالة رغم بساطة كلماتها إلا أن حروفها كانت تصرخ بشدة، وتمسك بتلابيب المشاعر الإنسانية وتهزها، متسائلة بدهشة أي شعور بالسعادة يشعر به الأبناء وهم يقضون العيد بعيدا عن والديهم؟! قضاء العيد في الخارج من أسوأ الظواهر التي بدأت تنتشر في الفترة الأخيرة، والتي أخشى أن تتحول إلى عادة اجتماعية يحرص الكثيرون على اتباعها دون أدنى تفكير عقلاني في سلبية نتائجها على متانة العلاقات الأسرية وتماسكها في الأعياد. ليس بالضرورة أن يخبر الوالدان أبناءهما بمدى قسوة إحساسهما بالمرارة وهما يريانهم يفضلون قضاء العيد مع أطفالهم بعيدا عنهما. مهما كان عذر الأبناء بأن نيّاتهم صافية، وأن مقصدهم إدخال السرور والفرح على قلوب أطفالهم برؤية مهرجانات واحتفالات العيد في الخارج، فإن الألم الداخلي الذي يتجرعه الوالدان بصمت أكبر بكثير من كل عذر.
ـــ أجمل إحساس يشعر به الأب والأم في يوم العيد هو رؤية أبنائهما وبناتهما يدخلون عليهما والفرح بالعيد يسابق خطواتهم والسعادة ترتسم على ملامح أطفالهم، وهم يتسابقون لتقبيل رأسيهما ويديهما. إنه إحساس غامر بالسرور لا يضاهيه أي إحساس، فلِم يحرمهم الأبناء هذه المشاعر المغردة بالفرح في أجمل أيام السنة؟!
ـــ تلك الأم التي أرسلت لي حروفها الناطقة بألمها الداخلي تدرك في أعماقها أن الأيام دوائر، والجزاء من جنس العمل وكما فضّل ابنها قضاء بهجة العيد بعيدا عنها وعن أبيه، فسيأتي اليوم الذي يتجرع فيه الألم نفسه حين يتصل عليه ابنه ليلة العيد من المطار، قائلا له "توصي على شيء يا أبي، سأقضي العيد بالخارج مع أبنائي".
ــــ العلاقات الإنسانية في هذا الزمن ليست في حاجة إلى مزيد من التفكك والتمزيق فليتنا ندرك ذلك!
وخزة
مهما كان الجمال الذي تنشده فلن يكون كجمال تقبيل يدي أمك المخضبتين بالحناء، ورائحة "جريشها" التي تملأ أرجاء منزلها في صباح العيد!
يقول بتهوفن "إن أرق الألحان وأعذب الأنغام لا يعزفها إلا قلب الأم".