حلول أم مسكنات آنية؟
كثيرة هي كلمة "حلول" في الصحف اليومية، حتى إني بدأت أشك في مفهومي الخاص للكلمة. فقلبت أوراق معجمي بحثا عن تفسير للكلمة، فوجدت أن كلمة حل تعني "تسوية أمر أو تحديا أو مشكلة ما". وخلصت إلى أن المشكلة تكمن في واحد من اثنين: إما سوء استخدام الكلمة لغوياً في وسائل الإعلام، وإما أنها مسكنات آنية من قبل المسؤولين عن وضع الحلول لتحدياتنا الاقتصادية والاجتماعية. فمع كمية "الحلول" التي تم إطلاقها في السنوات العشر الأخيرة يحار المرء، ويجزم بأن ملف البطالة أصبح شيئا من الماضي. ولنأخذ أحد تلك "الحلول" التي يكثر تداولها: تشجيع "ريادة الأعمال" كحل لمشكلة البطالة. ويبدو جليا قوة ذلك التوجه لتأهيل "رواد أعمال"، فبدءاً بإنشاء صناديق تمويلية عدة لتأسيس معاهد متخصصة إلى نقاشات مجلس الشورى الخجولة، بعد أن تم الرفع له من قبل وزارة المالية عن هيئة عليا للمنشآت الصغيرة والمتوسطة. "حلول" من شأنها تشجيع المتقدمين وتدريبهم وتوفير التسهيلات لبدء مشاريع صغيرة لتمويل أعمالهم، دون حتى معالجة متطلبات نجاح تلك المشاريع، مثل تدريبهم على أساليب الإدارة، فتجد كثيرا من رواد الأعمال لديهم أفكار إبداعية، ولكن ينقصهم حسن الإدارة وقيادة الشركة نحو تحقيق أهدافها التشغيلية. فهم أحوج ما يكونون إلى أن يخطط لدمجهم في منظومة اقتصادية مكملة وضامنة للاستمرارية. وليس يقتصر الحل على تخصيص الميزانيات السخية لهم دون إيجاد العوامل التي من شأنها تأهيل "رواد أعمال المستقبل"، تاركين هؤلاء "الرواد" بعيدين عن الأمان الوظيفي ودون رؤية مستقبلية واضحة. فصحيح أن إيطاليا مثلا استطاعت أن تخفض نسبة البطالة من 12 في المائة إلى 6 في المائة خلال تسع سنوات من خلال تشجيع ريادة الأعمال، ولكن ذلك تم ضمن خطة محكمة، حيث شكلت الحكومة الإيطالية منظومة متكاملة تغذي من خلالها المنشآت الصغيرة الشركات الكبرى وتوجد فرص عمل، وذلك ضمن برنامج زمني محدد ومعايير تقييم واضحة. وهنا أتمنى أن تقوم وزارة الاقتصاد والتخطيط بإدراج ملف المنشآت الصغيرة والمتوسطة ضمن الأولويات التنموية، وأن يحظى بالأولوية على صعيد المشاريع ومتابعة تنفيذها، أوليست تلك المنشآت الداعم الأكبر لمساعي التوظيف في شتى الاقتصادات، حيث تقدر بعض التقارير الدولية أن الشركات الصغيرة والمتوسطة توفر في المتوسط 70 في المائة من إجمالي الوظائف لمجموعة العشرين الاقتصادية، ناهيك عن أنها تمثل أكثر من 82 في المائة من إجمالي عدد الشركات.
أما عندنا، فالحل ما زال إعطاء جرعات من تلك المسكنات الآنية لهذا الجسم الذي لن يعالج إلا من خلال وضع رؤية ثاقبة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، تترجم إلى آليات دعم واضحة، والدعم المقصود هنا ليس محصورا على الدعم المالي كما ذكرنا أعلاه، بل يتخطاه إلى تقديم المساعدة في كيفية إدارة المنشأة، ووضع الأهداف التشغيلية، وما إلى ذلك. حتى إن تطلب الأمر استحداث وزارة جديدة لرعاية شؤون المنشآت الصغيرة والمتوسطة، كما هو الحال في الهند وأستراليا، وهي تعتبر من الأمثلة الرائدة على صعيد دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
عندها فقط تتحول "الحلول" إلى حلول! ومن الحلول إلى التنمية، ومن التنمية إلى الرفاهية.