ثقافة الإسراف الرمضانية

حين تدلف للأسواق ومحال التموين هذه الأيام تشعر أن الاستعداد لشهر رمضان يجري على قدم وساق، حيث الحركة الدؤوبة للمتسوقين والإعلانات التجارية التي تملأ الشوارع لمختلف أنواع الأطعمة والأشربة، والإقبال الكبير على معارض الأواني المنزلية التي ارتفعت نسبة مبيعاتها حسب تقرير في إحدى القنوات إلى 100 في المائة. أما على مستوى الفضائيات، فالتنافس المسعور بين القنوات للدعاية للمسلسلات الرمضانية قد بلغ منتهاه!
تكتب بعض الزوجات قائمة "مقاضي رمضان" حتى لا تنسى شيئا، ويذعن بعض الأزواج مرغما تفاديا للخلاف، وفي السوبر ماركت تشتري ثلاثة أضعاف القائمة، وكأن محال التموين ستغلق أبوابها بالشمع الأحمر في رمضان.
مع الأسف تتحول مطابخنا في رمضان إلى حالة استنفار تبذل فيها الأم والبنات والخادمة غاية جهدهن في إعداد الطعام، ثم تمد السفرة قبل المغرب والصحون تتزاحم فوقها، وقد ينظر بعض الأبناء بعدم الرضا أحيانا ويتمتمون بكل استخفاف بالنعمة "بس هذا اللي سويتوه"، ثم ترفع السفرة وقد تبقى منها ثلاثة أرباعها، وفي النهاية يكون مصيرها سلة النفايات.
فمتى ندرك أن "النعمة زوّالة" قبل أن نفتح سلة قمامة ـــ أكرمكم الله ـــ ونرمي فيها بقايا طعام كان يمكن أن يستفيد منه محتاجون!
يقول الفيلسوف الصيني لاوتسو: "راقب أفكارك لأنها ستصبح كلمات، راقب كلماتك لأنها ستصبح أفعالا، راقب أفعالك لأنها ستتحول إلى عادات، راقب عاداتك، لأنها ستكون شخصيتك، راقب شخصيتك لأنها ستحدد مصيرك"، وحسب قاعدة "لاوتسو" فإننا حاليا وصلنا إلى مرحلة العادات، وما يحدث حاليا من الاستعداد لشهر رمضان بالمبالغة في شراء الطعام والشراب هو من العادات السيئة التي لا تتناسب وشخصيتنا المسلمة التي تدرك في أعماقها أن شهر رمضان هو خير الشهور وأفضلها فأوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، وهو شهر فيه ليلة من أعظم الليالي، وهو شهر التراتيل القرآنية، والجود والعطاء والإحساس بالفقراء والمحتاجين، وهو شهر التراويح والقيام وصلة الرحم والعمل التطوعي، وهو شهر البركات والصدقات والبذل العظيم.
هذه الثقافة المجتمعية الخاطئة التي قيدت شهر رمضان المبارك بالإسراف في الطعام آن لنا أن نغيرها لنعيد لشهر الرحمة روحانيته ونقاءه وجماله، وأن نؤمن أنه بالشكر تدوم النعم.
يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي