السوانح

كتب العلامة الشيخ حمد الجاسر ذكرياته في سلسلة مقالات نشرها فيما بعد في كتاب أسماه "من سوانح الذكريات"، وفي سوانحه -رحمه الله- فوائد كثيرة في مجالات متعددة. وما زلت أتذكر جيدا أولى هذه السوانح، وكأنها فيلم مرعب، فقد وصف بدقة بالغة، وأسلوب خلّاب، إحدى حالات الجوع والمرض والفقر في بلادنا، مما شاهده بعينه في مدينة الرياض عام 1341هـ، وكم تمنيت أن يستفيد القائمون على الإنتاج الفني في السعودية والخليج العربي من هذه السوانح وأمثالها في أعمالهم، حتى يقدموا للأجيال الناشئة صورة دقيقة عن حياة الآباء والأجداد، وكم جالدوا هذه الحياة وصارعوها.
عانت جزيرة العرب طوال قرون عديدة، وإلى العقود الأخيرة من القرن الماضي فقرا عز نظيره في المعمورة، وما زالت الذاكرة الشعبية تحتفظ بشيء من أوجاع "سنة الجوع"، التي مرت على منطقتنا عام 1327هـ، وبمطالعة سريعة للتواريخ الحجازية والنجدية سنجد أمثلة كثيرة جدا على سنوات الفقر والجوع والأوبئة والأمراض.
ويأتي لطف السماء، فتتفجر بعض مناطق الجزيرة العربية بكنوزها، وتنقلب الحال، ويمن الله على المستضعفين فتتبدل أحوالهم، ويزول من قاموسنا مصطلح الفقر السابق، فالفقر الموجود اليوم لا علاقة له البتة بالفقر الذي عاشه الأسلاف. وهذه نعمة من الله تستحق الشكر والحمد، لا البطر والتكبر.
أرى وترون أشياء تحدث في مجتمعاتنا لا تمت إلى شكر النعمة بصلة، بل في بعضها من البطر ما لا يقبله عقل، ولا ترضاه أخلاق، ويزداد العَجَب حين نسمع ونرى من يتحدث عن هذه التصرفات بإعجاب.
رباه... لطفك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي