منظمة التعاون الإسلامي وإيران
درست في مرحلة الماجستير في الولايات المتحدة مادة عن المنظمات الدولية والإقليمية ومواثيقها وحدود أدوارها وما يمكن أن تسهم به من أجل تحقيق الأمن والسلم الدوليين وتخفيف المعاناة الإنسانية، لكنني لم أتوقع بعد كل هذه السنوات أن يأتي عليّ يوم أكتب فيه عن منظمة عزيزة على قلوبنا جميعا، كونها تركة من تركات حامل لواء التضامن الإسلامي المغفور له بإذن الله، الملك فيصل بن عبدالعزيز، طيّب الله ثراه.
والمقصودة هنا بطبيعة الحال هي "منظمة التعاون الإسلامي" الذي حل إياد أمين مدني أمينها العام أخيرا ضيفا على منتدى الصحافة العربية في دورتها الرابعة عشرة في دبي كبديل عن الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي حالت ظروفه الخاصة عن المشاركة في هذا المحفل الإعلامي السنوي المهم، فكان الأمر سيان لأن كلتا المنظمتين عاجزتان عن فعل أي شيء حيال ما تمر به الأمتان العربية والإسلامية من مشاكل وحروب ومؤامرات وتمزق سوى إصدار بيانات الاستنكار والتنديد والتمني.
وكي لا نبخس منظمة التعاون الإسلامي حقها، فإن التاريخ يشهد لها أنها قامت، منذ تأسيسها في ستينيات القرن الماضي ردا على حريق المسجد الأقصى المعروف، ببعض الإنجازات على الصعيدين الإنساني والتنموي عبر بنك التنمية الإسلامي ومنظمة الإغاثة الإسلامية، ولا سيما في القارة الإفريقية السوداء. لكن هل هذا يكفي؟
ألقى مدني في المنتدى المذكور كلمة استغرقت نحو 45 دقيقة تطرق فيها إلى تاريخ منظمته وجهودها وإنجازاتها متوقفا طويلا عند موضوع بدا أنه شغله الشاغل وهو تعديل الصورة النمطية للمسلم في المجتمعات الأجنبية التي تناصب المسلمين العداء وتتربص بهفواتهم كي تعلن على الملأ تخلفهم وجمودهم عند لحظة مضت. وهو لئن أجاد الحديث مشكورا عن هذا الموضوع وأسهب فيه وحذر من الوقوع في فخ تلك الصورة التي يجري ترويجها، فإنه تجنب تحميل جزء من المسؤولية ـ على الأقل ـ لبني دينه ممن استسلموا للأفكار الشيطانية الحمقاء أو صاروا وقودا لمؤامرات يحيكها الأعداء على نحو ما يفعله بنو "داعش" والسائرون في ركابهم. غير أن هذا ليس بيت القصيد!
بعيد انتهاء الأمين العام من كلمته المرتجلة حاورته سوسن الشاعر، الإعلامية البحرينية المعروفة في جلسة مفتوحة خاصة عن شؤون منظمة التعاون الإسلامي وشجونها، فانقسم الحضور ما بين مؤيد للغة الصارمة التي استخدمتها الشاعر في حوارها، ومعارض لها. والحقيقة أن الشاعر لا تـلام فيما قامت به ـ مع الاعتذار لمدني الذي نكن له كل الاحترام والتقدير كوزير سابق وشخصية مرموقة من بلاد الحرمين الشريفين ـ لأنها انطلقت من ألم يعتصرها ويعتصر قلب كل مواطن بحريني وخليجي غيور من جراء ما قامت به العصابة الحاكمة في طهران من تدخلات لإحداث الفتنة والفرقة وزرع الخلايا النائمة في البحرين الصغيرة المعروفة تاريخيا بوطن الأمن والسلام والتعايش والوحدة الوطنية، بل من يستطيع أن ينسى إرهابها في مواسم الحج، ومحاولتها اغتيال أمير الكويت الراحل، ووقوفها خلف تفجيرات الخبر، واحتضانها رموز القاعدة الفارين من أفغانستان، وغير ذلك من الممارسات الإرهابية الموثقة، فيما كان ضيفها يحاول جاهدا في ردوده ألا يقسو على إيران باعتبارها جارة إسلامية كبيرة وعضوا مؤسسا في منظمة التعاون الإسلامي، ويكرر فكرة ضرورة التعاون معها من أجل إيجاد مخرج وحلول لكل ما تعانيه منطقة الخليج وامتداداتها من توترات، رغم يقينه بأن طهران هي سبب كل البلاء منذ قيام الثورة الخمينية الطائفية، ورغم علمه المؤكد أن الدولة الإيرانية بشكلها الثيوقراطي الحالي ليست مصدر ثقة كي يصار إلى التعاون معها. فالساسة والقادة الخليجيون لم يتركوا بابا إلا وطرقوه مرارا وتكرارا من أجل ترغيب إيران في بناء علاقات ودية قائمة على حسن الجوار والتفاهم كي تنعم المنطقة الخليجية والعربية بالأمن والاستقرار بعيدا عن الحروب الميليشياوية والضغائن والأحقاد المذهبية والتدخلات السافرة، لكن إيران كانت ترد في كل مرة بمزيد من الاستفزاز والتحريض وتمويل الجماعات الموالية لأجنداتها التوسعية المقيتة، وأحلامها في الهيمنة المطلقة على بلاد العرب.
وإزاء هذا المأزق ـ وكما يحدث في حالة الأمم المتحدة، وطبقا للشرائع الدولية ـ ألا يحق لمنظمة التعاون الإسلامي أن تحزم أمرها وتتخذ من المعطيات التي أشرنا إليها سببا لتصنيف عضوها الإيراني ضمن الأعضاء المارقين كمقدمة لعزلها وتطويق شرها، خصوصا أنها تخرق جهارا نهارا كل المبادئ الإسلامية السامية التي يقوم عليها كيان المنظمة العتيدة، وإن ادعت خلاف ذلك؟
ألم تطرد الجامعة العربية عضوها السوري المؤسس عقابا على ما فعله نظامه ضد شعبه الأعزل من جرائم؟ وألم يصدر مجلس الأمن عقوبات بحق عدد من أعضائه على رأسهم إيران بسبب خروقاتهم المتكررة لمبادئ الأمم المتحدة؟ وأخيرا ألم تصدر منظمة الوحدة الإفريقية قرارات مماثلة بحق بعض أعضائها في منعطفات وأزمات تاريخية معروفة؟ فلماذا تتحاشى منظمة التعاون الإسلامي فعل الشيء ذاته بحق النظام الإيراني المشاغب شرقا وغربا والباذر للأحقاد الطائفية يمينا ويسارا والمهدد علنا باحتلال ديار العرب بغية استعادة أمجاد إمبراطوريتها المقبورة؟ بل لماذا تحاشت المنظمة ـ على الأقل ـ حتى تاريخه تشكيل لجنة من الحكماء وعلماء المسلمين الكبار للضغط على عضوها الفارسي من أجل أن يرتكن إلى لغة العقل والحكمة ويمتثل لمبادئ الدين الحنيف التي يتشدق بالدفاع عنها وعن معتنقيه "المظلومين" بحسب خطابه المؤدلج؟
وإذا كانت حجة المنظمة أن إقرار مثل هذه الاجراءات يتطلب الأغلبية، ففي اعتقادنا المتواضع أن المملكة العربية السعودية، باعتبارها قبلة الحرمين الشريفين ومهبط الوحي ودولة ذات نفوذ ومصداقية وثقل دبلوماسي واقتصادي في العالمين العربي والإسلامي، قادرة على تحريك أدواتها الدبلوماسية وتكوين حشد هائل من الدول الإسلامية لعزل إيران وفرض العقوبات عليها كي لا نقول طردها من المنظمة شر طردة. ولا نعتقد أن الكيان العملاق الذي شيده الفيصل سوف يتأثر بخروج عضو مارق لا يقيم وزنا لأدنى معايير حسن الجوار والقيم الإسلامية السمحة.