أسعار الأسهم والمشي العشوائي
مما يلفت الانتباه في سوق الأسهم أن أسعارها لا ترتفع بالضرورة عند إعلان أخبار سارة، مثل إعلان تحقيق أرباح جيدة.
الملحوظات تجر إلى طلب التفسير.
يرى كثير من المتخصصين في المالية وفي الاقتصاد المالي أن فكرة "المشي العشوائي" random walk تفيد في تفسير التحركات في أسعار الأسهم والسندات securities prices عموما. ويستند الرأي إلى النظرية الاقتصادية "التوقعات الرشيدة" rational expectations. وأرجو المعذرة في إضافة الكلمات الإنجليزية خوفا من سوء فهم المقصود بالكلمات العربية.
من الصعب جدا أن تفكر بوجود أي قطاع اقتصادي أو تصرفات أو وقائع اقتصادية لا شأن لها بالتوقعات. فمثلا يتأثر السعر الحالي للأسهم جزئيا بقناعة أو إيمان البائعين والمشترين المحتملين بما سيحدث مستقبلا.
في عقود سابقة من القرن السابق كان تركيز الاقتصاديين على التوقعات المبنية على نتاج تجارب سابقة. ثم حدثت تطورات في التوقعات الاقتصادية، حيث بانت نظرية تفترض أن الأصل هو الرشاد في توقعات الناس. جوهر النظرية استبعاد أن تختلف التوقعات كثيرا عن أفضل تخمين للمستقبل عند استعمال كل المعلومات المتاحة. وهذا شرح مبسط كثيرا وإلا فإن النظرية لها بناء رياضي وتحليلي معقد بعض الشيء.
ولكن لماذا يحاول الناس أن يجعلوا توقعاتهم الحالية مساوية تقريبا لأفضل تخمين متاح عن المستقبل مستعملين كل المعلومات المتاحة؟
أسهل تفسير هو أنه مكلف جدا ألا يفعل الناس ذلك، نظرا لأنهم يبحثون عن الأصلح لهم.
ما التأثير والترابط بين التوقعات وما يحدث؟
توقع الناس يعني محاولتهم التنبؤ بما سيكون. فكرة التوقعات الرشيدة تقول إن ما يحدث لا يختلف بصورة منتظمة عما توقعه الناس أن يكون. الفكرة لا تنفي وقوع الناس في أخطاء، ولكنها تقترح أن الأخطاء لا تستمر. ويمكن فهم ذلك بما عبر عنه أحد القادة السياسيين "يمكنك أن تستغفل بعض الناس كل الأوقات، وأن تستغفل كل الناس بعض الأوقات، ولكنك لا تستطيع أن تستغفل كل الناس كل الأوقات".
عمل اقتصاديو التمويل والباحثون الماليون على الاستفادة من النظرية لبناء فكرة "المشي العشوائي" random walk لأسعار السندات، بما فيها الأسهم، التي تتلخص في أن التغير في أسعارها من قبيل "المشي العشوائي".
ولفهم القارئ فإن المشي العشوائي يصف السلوك الذي لا يمكن التنبؤ به مسبقا (أصل التسمية مأخوذة من مشي الثمل أو السكران الخارج من حانة). وفي الاقتصاد يعطى وصف المشي العشوائي ليصف تحركات متغير (كسعر الأسهم اليومي) عندما تكون التغيرات المستقبلية في قيمته غير ممكن التنبؤ بها.
وفي حالة الظواهر الاقتصادية المتغيرة (كالأسعار اليومية للأسهم) التي تتبع نمط المشي العشوائي، فإن القيمة الحالية تعطي أفضل تنبؤ ممكن للقيمة المستقبلية.
يستكشف المستثمرون كل مصادر المعلومات من خلال سعيهم للتنبؤ بالأسعار. وعلى هذا فالمستثمرون يشترون الأسهم التي يتوقعون أن تعطيهم عائدا أعلى، ويبيعون الأسهم التي يتوقعون أن تعطيهم عائدا أقل. بصنيعهم هذا فإنهم يدفعون الأسعار إلى الارتفاع للأسهم التي يتوقعون أن تعطيهم عائدا أعلى، والعكس بالعكس. وتستمر الأسعار في التغير حتى الوصول إلى نقطة تجعلها مساوية لأفضل تنبؤ من جهة السوق للأسعار المستقبلية، مأخوذا بعين الاعتبار عوامل مثل الأرباح والمخاطر.
ما الخلاصة؟ التغير في أسعار الأسهم غير قابل لأن يتنبأ به. عندما تعلن المعلومات التي هي موضع توقع السوق، فإن أسعار الأسهم لا تتأثر بإعلان هذه المعلومات. الإعلان لا يحوي أي معلومات جديدة من شأنها أن تحدث تأثيرا في الأسعار.
هذا يفسر لماذا في حالات كثيرة تنخفض أسعار أسهم عند إعلان نتائج جيدة. رغم أن هذا يبدو غريبا، إلا أن النتائج المعلنة ليست جيدة بالجودة التي توقعتها السوق. مثلا لو توقعت السوق زيادة الأرباح بنسبة 25 في المائة، بيمنا الواقع أنها زادت بنسبة 15 في المائة، فإن هذا يعني أن إعلان النتائج دون المطموح فيه، ومن ثم تنخفض أسعار تلك الأسهم.
نظرية المشي العشوائي كانت محل اختبار مئات من الدراسات التطبيقية التي أيدتها. في المقابل، هناك دراسات لم تؤيدها. ورغم ذلك استطاعت النظرية إلى حد كبير وليس إلى حد تام تفسير كيفية تطور أسعار الأصول المالية، وعلى رأسها الأسهم.
سؤال: هل يصلح تطبيق ما سبق على سوق العقار؟ موضع حديث مستقبلي.