سيد أوباما .. نحن أعلم بأمورنا

تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأخيرة لصحيفة "نيويورك تايمز" جاءت مخيبة لآمال السعوديين والخليجيين لأنها تأتي من رئيس كانوا يظنون به خيرا بحكم خلفيته العرقية كأمريكي إفريقي لديه حساسية عالية لقيم العدالة والحرية، إضافة إلى تخصصه المهني كمحام وممارس للسياسة له تاريخ في الدفاع عن الحقوق المدنية للأقليات وباع طويل في العمل التطوعي الاجتماعي. لقد أثبتت الأحداث التاريخية أن تميز الأنظمة السياسية هو بإنجازاتها وليس بأشكالها لأن لكل مجتمع خصوصيته الثقافية ومزاجه السياسي وتكوينه الاجتماعي الذي يحقق احتياجاته ومتطلباته وإدارة فاعلة للمجتمع. فالمسألة نسبية فيما يتعلق بأسلوب نظام الحكم المناسب. إلا أن هناك افتراضا يروج له في أن النظام الديمقراطي الغربي هو الأفضل على الإطلاق لدرجة أن تلك الدول الديمقراطية ذهبت تبشر به وتفرضه على المجتمعات الأخرى فرضا، وجعلوا أنظمتهم الديمقراطية هي المرجعية للحكم على صلاحية الأنظمة السياسية. وعلى أن النظم الديمقراطية تنادي بالعدالة والحرية وحقوق الإنسان إلا أن آلياتها تخفق في تحقيقها؛ إذ إن عملية صنع القرار تعتمد على تصويت الغالبية (1+50) وهذا فيه إجحاف لكثير من فئات المجتمع حتى إن بدا منطقيا؛ إذ إن الأقليات لا تستطيع منافسة الأغلبية في التمثيل البرلماني ومع هذا هناك اختلال آخر في النظم الديمقراطية وهو اعتماده على المنافسة السياسية ما يتيح الفرصة لجماعات المصالح للسعي في اجتذاب القرار الحكومي لمصلحتها على حساب المصالح الوطنية العليا. وهكذا تتحكم المصالح الجزئية في صناعة القرار الوطني ما يضعف الأداء الحكومي في إدارة المجتمع وتحقيق مصالحه العليا. فهذه هي الولايات المتحدة بنظامها الديمقراطي تفشل فشلا ذريعا وهي القوة العظمى وحامي حمى الديمقراطية في تحقيق العدل في مناطق شتى من العالم بسبب تحكم اللوبي الصهيوني بالسياسة الخارجية الأمريكية وتفويت مصالحها القومية العليا. فكيف بعد ذلك يأتي رئيسها أوباما يتهم السعودية ودول الخليج بالتقصير تجاه شعوبها وبذات الخطاب يقرر أن إيران بتاريخها الدموي وطائفيتها النتنة ونظامها القمعي لا تشكل تهديدا على المنطقة. لا شك أن إيران التي نعتتها الولايات المتحدة ذات مرة أنها محور الشر هي من تحالفت مع الولايات المتحدة «الشيطان الأكبر» بحسب التسمية الإيرانية بصفقة أسلحة عرفت بفضيحة إيران جت في عام 1985 حين باعت الولايات المتحدة إيران أسلحة، واستعملت أموال الصفقة لتمويل حركات "الكونترا" المناوئة للنظام الشيوعي في نيكاراجوا، وإيران العدو اللدود للولايات المتحدة هي نفسها من سهل دخول القوات الأمريكية في غزوها للعراق وما خفي أعظم. هناك أعمال عدوانية للولايات المتحدة تنفذها إيران بكل طواعية، بل أكثر مما يطلب منها لأن عداءها مع العرب شيعة وسنة أكثر من عداء أمريكا للعرب. هذه الأفعال الشريرة التي تتناقض مع ما يدعونه من أن ديمقراطيتهم تحقق العدل والمساواة وتحفظ الحقوق الإنسانية وتنشر المحبة والسلام ليست حكرا على الولايات المتحدة، بل هي قاسم مشترك بين جميع النظم الديمقراطية الغربية. بطبيعة الحال عندما تقارن هذه الأنظمة الديمقراطية بالنظم الشمولية العسكرية التعسفية التي اغتصبت السلطة العامة وجاءت على ظهر الدبابة مثل نظام الأسد في سورية فبكل تأكيد هي أفضل، بل إنه من الإجحاف إدخال نظام الأسد الدموي في دائرة الإنسانية. النظام السياسي كما اللباس والأكل ثقافة وليس لأحد أن ينعت من يلبس الزي العربي بالجهالة والتخلف وأن يلزمنا أن نلبس مثل ما يلبس الغربيون لنكون متحضرين فهناك فرق بين التغريب والتقدم والحداثة.
ومتى ما كان النظام السياسي من نبت الأرض ومن البيئة نفسها كلما كان ذلك أدعى أن ينجز مشروعه التنموي ويحقق العدل والرفاهية. ولذا كانت النظم الملكية أكثر استقرارا وازدهارا من تلك الجمهوريات التي لا تراعي القيم الإسلامية ولا التقاليد العربية. هذا ما يشهد به الواقع العربي ذلك أن الجمهوريات إنما تسلطت على الشعوب باسمهم وباسم التحرر وأنشأت برلمانات هي أقرب ما تكون للمتاحف منها لمجالس نيابية.
المشكلة التي تواجه السعودية مع النظم الغربية على وجه الخصوص أنها تحكم بنظام طهوري سماوي يختلف في قيمه ومرتكزاته وآلياته عن النظم الديمقراطية حتى إن كانت تشترك معها في مسميات تلك القيم إلا أنها تختلف في تفسيرها ومعانيها. فعلى سبيل المثال الحرية الغربية حرية منفلتة تنطلق من الإنسان يعمل ما يشاء طالما أنه لا يتعدى على حرية الآخرين فبتالي له الحق أن يمارس الجنس خارج مؤسسة الزواج وأن يشرب المسكرات وأن يتعاطى المخدرات، بل والأدهى والأمر أن وصل بهم الحال في الاعتراف بزواج المثليين فأي انحطاط أخلاقي تمارس الرذيلة باسم الحرية! وعندما تتحجب المرأة المسلمة دينا وعفة ووقارا تنعت بالتخلف وتحارب مثلما يفعل في فرنسا الديمقراطية المتحضرة، بينما تلبس الصلبان والكوفية اليهودية ولا أحد يجرؤ على الحديث أنها من المظاهر الدينية التي تتعارض مع نظام الجمهورية الفرنسية العلماني! هذا التناقض في تطبيق القيم الديمقراطية والكيل بمكيالين وعدم تقبل الثقافة الإسلامية لاختلافها، يؤكد أن حديث أوباما جاء في هذا السياق وانطلق من أحكام مسبقة على النظام السعودي. نقول لأوباما إن السعودية ليست طارئة على التاريخ وإنما تملك إرثا سياسيا استدام لعدة قرون يحكم بشرع الله وبه يعدل، في الوقت الذي كنتم أنتم تقتلون الهنود الحمر لتبيدوهم عن بكرة أبيهم، أما أجدادك الأفارقة وما تعرضوا له من استعباد فأنت أعرف بما حدث. حتى إن بدا الأمر في الوقت الحاضر أكثر عدلا إلا أنه غير مستقر، فالتمييز العنصري ما زال حيا في بلادكم وما أحداث مدينة جفرسون بولاية ميزوري عنا ببعيد. إن قيمنا السماوية لا يمكنكم فهمها بقوانينكم الوضعية مهما بلغت من المثالية. ومع ذلك تعالوا نحتكم على أساس من العدل بمنح كل ذي حق حقه وإلا كان حديثكم عن الديمقراطية وقيمها رياء ولذر الرماد بالعيون وكلمة حق أريد بها باطلا. لذا أرجوك أوباما اتركنا وشأننا فنحن أعلم بأمورنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي