رحلت وفي قلبها ألم
عرفتها شابة متوقدة حماسا للحياة، عاشقة لمباهجها الجميلة، منطلقة بحب نحو حقول الأمل والغد الجميل. حين زفت إلى زوجها كانت تحلم بالعش الدافئ والزوج الحبيب الذي سيكون عكازها، يسندها حين تتكالب عليها متاعب الأيام، حتى أطفالها حدثتني عن أسمائهم وأشكالهم وكيف ستتعامل معهم بحب وحنان لتعوض سنين الحرمان التي افتقدتها بسبب طلاق أبويها عندما كانت صغيرة، رغم عدم بخل جدتها بعواطفها الجياشة نحوها، لكن لا أحد يعوض مكان الأم أبدا!
بعد مرور شهرين فقط رأيتها ذابلة كوردة امتص رحيقها من قبل أسراب نحل متوحشة، كانت ساهمة مبعثرة النظرات لكأنما الهموم ينابيع تتفجر من بين حنايا روحها. لم أكن في حاجة لسؤالها في ذلك الموقف فقد كانت دموعها أسبق من كلينا بالحديث. حين هدأت بدأت تشكو لي سوء معاملة والدة زوجها لها من أول يوم وتدخلها المستمر في حياتها، وكذلك أخواته المتسلطات، وكيف أنهن حتى "دواليب" ملابسها يفتشنها. كانت التفاصيل التي أخبرتني بها مروعة إلى الدرجة التي لم أصدق أنها قد حدثت خلال فترة شهرين فقط.. أي بشر هؤلاء؟!
كانت تعشق زوجها وكذلك هو يعشقها ويقف إلى جانبها ولكن "الكثرة تغلب الشجاعة"، كل الحلول التي قدمتها لها كانت مستحيلة حسب نظرتها، فالاستقلال في منزل، وتوسط حكيم من العائلة، ووضع حد للتدخلات، "تبي تزلزلنا لو ناقشناهم فيه"، هكذا قالت لي وفضلت الصبر والتصبر، فعشقها لزوجها كان الأمر الوحيد الذي يمنحها المقاومة بعد توكلها على الله تعالى.
مرت سبع سنوات على زواجها أنجبت خلالها ولدين، ذاقت خلالها شتى صنوف الإهانات والقهر والتدخلات والأذى النفسي حتى أصيبت بالاكتئاب، حين رأيتها آخر مرة كانت أشبه بهيكل عظمي، وقالت لي "إنتي تدرين وش غاية أملي بها الدنيا"، ظننتها ستقول أمنية جميلة أو حلما ما، وتألمت حين قالت "أن يأخذ الله عمري وأرتاح، أنا تعبت مرة، ما عدت أتحمل. فكرت بالانتحار بس خفت من عذاب ربي".
قبل فترة وصلني خبر وفاتها في حادث مؤلم هي وأم زوجها، سبحانك ربي من كانت سبب شقائها رحلت معها في الحادث نفسه. الله يرحمها كم عانت وتحملت، ربي يبدلها دارا خيرا من دارها وأهلا خيرا من أهلها.
وخزة
إلى كل أم زوج متسلطة على زوجة ابنها: اتقي الله تعالى، واعلمي أنك ستجدين كل أعمالك تنتظرك يوم الحساب.