أطفال مبدعون بلا صوت (2)
يخلط بعض الأهالي والمربون بين الإبداع والتحصيل الدراسي، فيعتقدون أن الطفل يكون مبدعا حين يكون متفوقا في دراسته وحاصلا على "أعلى درجة" في الاختبار، ولذلك يستحق هذا "الطفل الشاطر" اهتمام الجميع وإعجابهم وثناءهم، ووعود الأهل له بأغلى الهدايا إن حافظ على مستواه. ومع تقدمه في السنوات الدراسية يتحول هذا الطفل إلى مجرد "حصالة" يحفظ المعلومات المنهجية ويسترجعها وقت الاختبار فقط، ثم يدخل الجامعة ويتخرج فيها بتفوق، فتكون الوظيفة المرموقة بانتظاره. وفي خضم الحياة يستسلم للروتين والجمود والانشغال بمتطلبات الأسرة والأبناء ثم يتقاعد وتطوى صفحته كما ملايين البشر الذين عبروا قبله!
أما الطفل المبدع فهو الذي يصفه من حوله بأنه عنيد، مستهتر، يقضي وقتا كبيرا في التأمل والتحديق وفي أحلام اليقظة، يكثر من سرد القصص الخيالية، يميل إلى القيادة، ولذلك يفرح كثيرا حين يجعله المعلم "عريف الفصل"، يعشق النقاش والحوار والتفكير المفتوح، يكره الأساليب التقليدية في المدرسة فهي تحد من انطلاق أفكاره وخياله، ويمتلك قوة تخيل كبيرة.
العظماء والمفكرون والعلماء الذين خلد التاريخ أسماءهم كانوا مبدعين وفي المقابل كان معظمهم فاشلين دراسيا، ليس بسبب افتقارهم إلى الذكاء والقدرة على التحصيل العلمي، بل بسبب فشل المدارس والمناهج في احتواء إبداعهم وتفهمه، فالعالم داروين كان من أفشل التلاميذ في المدرسة وأكسلهم إلى درجة أن والده كان يعيب عليه ذلك باستمرار ويوبخه قائلا: إنك ستجر العار على نفسك وعلى عائلتك، ورئيس الوزراء البريطاني تشرشل كان بليدا وهو صغير، حيث إن والده اعتقد أنه لن يستطيع أن يجني مالا ليعيش، أما مكتشف الكهرباء توماس أديسون فقد تم طرده من المدرسة لأنه كان "غبيا" على حد وصف مدرسيه ومديره، وكذلك الرسام العالمي بيكاسو فقد أخرجه والده من المدرسة وهو في سن العاشرة بعد أن عجز عن تعلم القراءة والكتابة، والأمثلة كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
وخزة
من المبدعين في عصرنا الحالي بيل جيتس مؤسس شركة مايكروسوفت الذي لم يكمل دراسته الجامعية ولم ينتظر وظيفة حكومية ورغم ذلك فهو يمتلك ثروة لو وزعت على سكان العالم لأصبح نصيب كل فرد يزيد على سبعة دولارات، وحاليا هو يكسب 250 دولارا في الثانية الواحدة، أي نحو 21 مليون دولار يوميا، وثمانية مليارات سنويا. إذن ليس بالضرورة أن يكون كل متفوق مبدعا وكل مبدع متفوقا، فالفرق شاسع بين الإبداع والتفوق الدراسي.
فمتى ندرك ذلك؟!