كيف لهم أن يحدثوا تغيرا في وزاراتهم؟
يلاحظ التغيير الذي أحدثته الأمطار التي روت البلاد في الأسابيع القليلة الماضية على سلوك الناس والنشاط المبذول. فهذا استعد للخروج إلى النزهة وآخر بدأ في ترتيب حقائبه للترفيه وهذا يأخذ العائلة في نزهة للتسوق، والجميع يظهر عليهم تغير ملموس في نشاطهم. هذا ما تفعله قطرات المطر على الناس فتغيير بسيط في المناخ يؤدي إلى تغيير واسع الأثر ملموس في السلوك.
التغيير في أساليب وسلوك الناس سببه عادة تحول في عواطفهم ومشاعرهم وهذا بدوره ينتج ردة فعل تترجم في إحداث تغيير في حياتهم اليومية عند نهاية المطاف، معظم الأشخاص الذين حققوا تغييرا إلى الأفضل نراهم -في الغالب- متميزين في مجال أعمالهم ووظائفهم. التغيير في المناخ يسهم حتما في إحداث تغيير في العواطف ومن ثم سلوك الأشخاص فإذا كان التغيير إيجابيا سيحفز التطوير ويوجد مبدعين ومفكرين ومنتجين. ويحدد مستوى ذلك التغيير معرفتهم لقيمة التغيير التي يحتاجون إليها بناء على أهدافهم التي يرغبون في الوصول إليها. لكن المثير حقا هو أن تلك القيمة تصبح صفرا بمجرد الوصول إلى الهدف المرتبط بها، ولهذا فإن مطلب التجديد مستمر لبناء أهداف جديدة.
في معظم الأحيان يرتبط التغيير بالمخاطر التي تعيق معظم الأشخاص عن القيام بما هو مطلوب في حينه، وهذا يرجع إلى مخاوف عميقة من نتائج التغيير هل هي إيجابية أم سلبية؟ من الناجح إذا؟ الناجح من هو يغير ويغير ثم يغير إلى الأفضل حسب القيم التي يسعى إليها ويستمر في تطويرها، ومن ثم يحافظ على نجاحه. خذ مثلا شركات كـ "أبل" و"ميكروسوفت"، سبب النجاح المستمر هو الاستمرار في إيجاد وابتكار أهداف للشركة من قيم تم تطويرها استنادا على حاجات الناس، وبتحقيق تلك القيم يحدث تغيير في سلوك الناس الذي يوجد قيما جديدة فيتم تغيير الأهداف بناء عليها وهكذا يستمر التطور. فالتواصل الاجتماعي هدف تحول إلى قيمة أصبحت محققة بأكثر من طريقة شكلت مسار هاتين الشركتين لإيجاد أجهزة محمولة خفيفة الوزن وسهلة الاستخدام تحقق قيمة الاتصال. بالماضي كان هناك جهاز النداء الآلي (البيجر) يحقق هدف الاتصال لكن بقيمة أقل من الأجهزة الحديثة التي حققت أهداف الاتصال لكن بقيمة أعلى في السرعة والسهولة. وهكذا لا يزال الاتصال هدفا تتغير قيمته كلما حدث ابتكار جديد يؤدي إلى انعكاس على سلوك الناس.
من هنا تخرج المقولة الشهيرة: (الوصول إلى القمة سهل ولكن صعب المحافظة عليه). فالوصول إلى القمة نتج عن نجاح في إيجاد القيمة ولكن بمجرد الوصول تصبح القيمة صفرا، وللبقاء لابد من إيجاد قيم جديدة تساعد على النضال من أجل البقاء، فالمتغيرات في طريقك إلى القمة تتطلب منك جهدا سيتضاعف عند وصولك إلى القمة ولابد لمن وصل ألا يتوقف عن إيجاد القيم وتحديد الأهداف الجديدة التي تتطلب زيادة في الجهد المبذول. وهذا شيء طبيعي يعزى على نظام التغيير الطبيعي، لكن القضية هي في اتجاه التغيير، وغالبا يحدده المناخ المحيط بالتغيير. فالتغيير الإيجابي ضئيل جدا في المناخ السيئ ولابد للتغير الإيجابي من مناخ جميل كما المطر. ولذلك فإن عليك أن توجد مناخا إيجابيا حتى تحدث تغييرا فرديا إيجابيا كما يفعل المطر.
ولكن لو أن المطر أصبح عاصفة رملية ماذا تتوقع من التغيير في سلوك الناس؟ لا شك سيكون سلبيا وسيضعف النشاط مع تكسير للمحفزات الإيجابية الداخلية إن وجدت وسبب ذلك أن التغيير تم باتجاه قيم لا يريدها الناس. وبذلك فإن القيمة العامة للتغيير مهمة حتى تستطيع التحكم في نتيجة التغيير.
وبعد التشكيل الوزاري الجديد نسأل باهتمام بالغ كيف لهؤلاء الوزراء أن يحدثوا تغييرا في وزاراتهم وأن يرفعوا من فعالية أداء الموظفين؟ للأسف إن معظم الوزراء يتبعون المناهج التقليدية في الإدارة العامة التقليدية وهي التي تتفق على أن نبدأ بحل مشكلات الوزارة القائمة ثم نسعى للتطوير. لكن أهم ركائز العمل الحكومي، إيجاد أهداف الوزارة بناء على اكتشاف قيم المجتمع المتغيرة والمتطورة ومن ثم إيجاد المناخ الإيجابي للموظفين لقبول التغيير الذي بدوره سينتج سلوكيات فردية إيجابية، وستعمل السلوكيات الجديدة والقيم الجديدة على حل المشكلات بذاتية بعيدا عن التدخل المباشر لإجبار المشكلة على اتخاذ مسار قد يتعقد مع مرور الوقت.
لذلك نأمل أن يكون الوزراء الجدد كما المطر الذي يعمل على تغيير المناخ في الوزارة إلى الإيجابي الذي بدوره سيحدث تغييرا إيجابيا في سلوكيات الموظفين. تغيير المناخ العام للوزارة يتطلب جهدا دقيقا حتى يتم بناؤه وفي حال تم بناؤه سيتمحور دور الوزير ووزارته في المراقبة والتطوير بدلا من الانهماك في حل المشكلات.