أين تقع كندا؟
نثرات الخميس ـــ 6
ـــ كنت أنشر رسائل أسبوعية لابنتي في النزهة الأسبوعية، التي كانت تخرج كل جمعة في جريدة "اليوم"، وعسى أن أعود لها قريبا. وسأحاول أن أقدم كل أسبوع واحدة هنا.
* رسالة لابنتي:
كافحي دوما يا بنيتي من أجل الحق والحقيقة، وإياك والانحراف عن الطريق المستقيم أخلاقا وسلوكا. الله زرع قوة في كل واحد فينا لنناضل ونجتهد في سبيل المعاني الإنسانية والصفات السلوكية الحقة والعادلة. هذا الطريق لن يكون سهلا، وليس من طبيعته أن يكون كذلك، ولكن المعارك التي نخوضها بالظلام من أجل الحق تعِدُ بفجر منير. ولتؤمني بالقوانين الحتمية الكونية التي وضعها الله في ضمير هذا الكون، فالزارع يحصد دوما ما زرع، فلا يمكن أن نزرع بذور البرسيم وننتظر تفاحا. كل من تراءى لنا أنه تفوق أو اغتنى أو صعد سلما اجتماعيا أو وظيفيا بطرق فاسدة، سيأتيه يوم ينكشف فيه ويعاقب .. أو أنه عوقب بطريقة لا ندركها، ولكنه عانى منها. تذكري أن وعدَ الله أنك ستحققين كل طموحاتك متى ما سرت على النهج الذي يرضيه. ووعدُ الله، يا ساكنة قلبي، حق.
ــــ العقل هو مكان وعينا، والعقل هو قائدنا، والعقل هو من يجعلنا من الأسوياء، أو يعصف بنا في متاهات لا نعرف كيف نخلص أنفسنا منها، وهي الأوهام والأحلام والتصورات التي تصنع حياة كاملة داخلنا خلاف الحياة الواقعية خارجنا. "جون ملتون" في كتابه الحالم العميق تأنقا وبحثا وفلسفة وانهمارا سرديا، ذكر أن العقل "هو مقرنا الحقيقي، وهو جنتنا، وهو جهنمنا". وعندي كتاب عن الأمراض العقلية التي أصابت كبار مشاهير الفكر الإنجليزي، وبالذات النساء العبقريات، فتجد أن حياة معظمهن قطع من جهنم على الأرض، حتى أن معظمهن فكرن في الانتحار، وبعضهن فعل. تقرأ عن فرجينيا وولف والأخوات برونتي، بحتى الكاتبة العظيمة أغاثا كريستي، فتتعجب كيف أثرَيْنَ العالمَ الأدبي بتلك النصوص التي بقيت لامعة على مر السنين. وتقرأ لعباقرة مثل جون كيتس ورامبو وتشيلي حتى شكسبير فتجد أن العقل قد زاغ بهم دوما أو على فترات، وأدباء أمريكا الكبار خصوصا رواد الأدب الحديث مثل آرثر ميلر وتنيسي ويليامز وغيرهما. هل العقل يطاردنا؟ ما الذي يضبط عقولنا؟ هل هناك خيط نمسكه بين الحكمة والذهان، لا نعلم، ولا الطب النفسي يعلم .. فالعقل فوقنا، وأداة تفكيرنا حوله وعنه، أي أننا نستعين به لنعرفه. بقي أن المطمئنين من المؤمنين هم الذين قلما يتعرضون لإشكالات العقل وانحرافه عن سكة المنطق وحقيقة الواقع.
ـــ لنتحدث عن العقل الإجرامي. العقل الإجرامي عقل يُصنَع صناعة، وليس في تركيب الدماغ الأساسي. المستنيرون عادة من الصعب أن يحول عقلهم إلى شيء آخر، إلا إن كانت إرادتهم أن يصنعوا الشر فسيستطيعون صنع عقولٍ إجرامية. فالعقل الإجرامي المصنوع عقلٌ فارغ يستقبل بسهولة العمليات والمعلومات التي تحشو الشر به. عقلٌ فارغ طافٍ بلا هدف لم يتسلمه الخيّرون فتسلمه الأشرار.هؤلاء الصغار الذين يُستخدَمون بعمليات الإرهاب هم عقليات إجرامية صنعت من قبل أذكياء قرروا أن ينتشوا سلطة وقوة. "آل كابوني" رئيس المافيا الشهير في العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين، وأعتى مجرم في تاريخ أمريكا في التهريب والقتل عقله صنعه كبار المافيا الصقليون فتفوق شرا وبقي عقلا غبيا. طلب منه أحد مساعديه أن يفتحوا فرعا لمنظمتهم الإجرامية في كندا، فكان جوابه التلقائي:" ولكني لا أعلم في أي شارع تقع كندا!".