مآل الاحتراف وفقاً لمبدأ Diminishing Utility..!

هذه المقالة هي تقويم علمي لتجربة عقدين منذ بدء إحتراف كرة القدم في المملكة، وما دفعني لكتابة هذه المقالة هو مظهر لاعبي الفريقين في نهائي أسيا للأندية، وسيتم أولاً إيضاح الأساس العلمي للتقويم وتطبيقه على موضوع الاحتراف بذاته وعلى اللاعبين بشكل عام، يليه إيجاز لحقائق التجربة، فتحليل مختصر في ضوء نتائجها مع تصور بأهم التوقعات، فحصر لبعض الدروس المستفادة منها، ثم خاتمة.

أولاً: خلفية علمية:

مبدأ تناقص المنفعة (Diminishing Utility Principle) معروف لكل مهتم، وللتذكير بمقصده، فليختر القارئ الكريم فاكهته المفضلة ولنفترض أنها التفاح، الآن ليتخيل القارئ الكريم أنه "يجهد" ويثابر للحصول عليها، فما مستوى منفعته من تناولها هنيئاً مريئاً؟ وفقاً للمبدأ أعلاه، فإنه يتحقق أفضل منفعة من تناول أول ثمرة، فيما تحقق الثانية منفعةً أقل منها، والثالثة أقل من الثانية، وهكذا يتناقص مستوى المنفعة.

ولتقريب تطبيق المبدأ أكثر للحالة التي نحن بصددها، سأفترض أن ما سبق يتعلق بنوع واحد من التفاح، فلنفترض أنه الأخضر أو الصيني، فماذا لو رفعنا سقف التفضيل ليشمل التفاح بكافة أنواعه ومصادره (اليونان، تركيا، إيطاليا، أمريكا، وغيرها)؟ قد يتغير معدل تناقص المنفعة فلا ينخفض بشكل كبير، فماذا لو لم يتطلب الحصول على التفاح بأنواعه كافة ومن مصادر إنتاجها كافة أي مجهود (بمعنى أن الفاكهة المفضلة في متناولك إينما نظرت، أو جلست، أو مشيت)؟ فماذا عن فاكهة الاحتراف لدينا؟

ثانياً: حقائق من واقع التجربة:

بعد مقاربة تجربة عشرين سنة من حال محترفي كرة القدم في المملكة مع المبدأ العلمي للتقويم، يمكن ملاحظة أن من كان عمرهم ما بين (10 - 12) سنة عند بدء الاحتراف عام (1994 م)، هم المفترض أن يمثلوا المنتخب عام (2010 م)، أي الذين تبلغ أعمارهم عندها (26) سنة، وهي فترة ذروة عطاء اللاعبين، إلا أنهم فشلوا في الاستمرار في مسار التأهل للمونديالات ذلك العام للمرة الأولى بعد (4) مرات متتالية سبقتها، وتلاها الفشل في التأهل للمرة الثانية على التوالي لمونديال (2014 م).

وعلى المستوى القاري كانت مشاركتهم في بطولة أسيا في (2011 م) هي الأدنى مستواً على الإطلاق على مدى (27) عاماً، بل وأدنى من مستوى المشاركة في بطولة عام (2004 م)، وعلى مستوى الأندية كانت آخر مناسبة لتحقيق اللقب وعلى أساسها تم التأهل لبطولة العالم للأندية هي بطولة عام (2005 م)، أما ما يتعلق ببطولة الخليج فقد كان الخروج من دور المجموعات في المشاركة الأخيرة إمتداد للمسار البياني المنحدر، وقد يُعد ذلك هو المقياس المرجعي الأدنى لمشاركات المنتخب.

أما فيما يتعلق بالمعيار المرجعي الأعلى للمنجزات، فيتمثل في المشاركة الأولى في مونديال (1994م)، والتي تلاها (3) مشاركات لاحقة متتالية بمستويات في مسار بياني تنازلي، إلى أن تم الخروج من التصفيات المؤهلة للمونديالين الأخيرين، أما فيما يتعلق بمشاركات المنتخبات الأولمبية والشباب والناشئين سواء الناجحة أو التي دون المأمول فهي خارج إطار هذا التقويم.

ثالثاً: تحليل حقائق التجربة والسيناريوهات المتوقعة:

يُلاحظ أن أهم الانجازات قد تحققت بلاعبي ما قبل الإحتراف منذ بطولة أسيا (1984 م) مروراً بأول تأهل لأولمبياد (1986 م) وكلاهما بطاقم فني وطني، ثم تحقيق بطولة أسيا للمرة الثانية عام (1988م)، وامتد الانجاز بعدها للفترة التي شارك فيها أولئك اللاعبين بعد احتراف عدد منهم، فبعد كأس العالم عام (1994 م) تحقق كأس أسيا للمرة الثالثة في عام (1996م)، وتملكت بذلك المملكة الكأس من خلال اللعب على النهائي في أربعة مناسبات على التوالي، وانتهت حينها مشاركات عدد من لاعبي ما قبل الاحتراف.

ويبدو أن تاثير لاعبي ما قبل الاحتراف الذين استمروا في المشاركة بعد تطبيقه على اللاعبين الذين شاركوا معهم في تحقيق إنجاز عام (1996 م)، وهو الأخير، قد استمر لفترة، فتحقق التأهل لمونديال (1998 م) واللعب على النهائي في بطولة أسيا عام (2000 م)، وباستثناء اللعب على نهائي أسيا عام (2007 م) والذي يتطلب تحليلاً مستقلاً، فيبدو أن أثر لاعبي ما قبل الاحتراف قد زال تماماً على مستوى المنتخب الأول، وهنا يمكن أن يُطرح التساؤلين التاليين: (أ) هل أن فاكهة البطولات قد بلغت نهايتها وفقاً لمبدأ تناقص المنفعة (Diminishing Utility Principle)؟ و(ب) ما حال لاعبي البطولات؟

أجيب على التساؤل الأول بأنه لن يكتفي من فاكهة البطولات أي منتمٍ لهذه الأرض الطيبة والمصدر المتجدد للنجوم جيلاً بعد جيل، بل وسيطلب المزيد والأغلى، أما بالنسبة للتساؤل الثاني فأهل الشأن أدرى بذلك، وهذا ما يقود التقاش للتساؤل التالي: هل أن فاكهة البطولات قد بلغت نهايتها بالنسبة للمحترفين؟ وأجيب على ذلك بتساؤل آخر: كيف أن مبدأ تناقص المنفعة يُطبق على من لم يشارك في تحقيق أي بطولة مع المنتخب؟ وبذلك نصل إلى تساؤل آخر حيال أمر مُلاحظٍ وبالغ الأهمية: هل أن المشاركة في تحقيق البطولات مع النادي هي الأهم؟ وهو ما يقودنا إلى تساؤلات لا تقل عنه أهمية: إذا كانت المشاركة في تحقيق البطولات للنادي هي الأهم فما الذي أدى إلى ذلك؟ ثم أليس تحقيق بطولة الأندية الأسيوية وهي المؤهلة لبطولة العالم للأندية ضمن تلك الطموحات؟ ولماذا إذاً لم تتحقق منذ نحو عقدٍ من الزمان؟

وحيث أن الإجابة على أي من التساؤلات أعلاه لا يُفسر الحالة التي نناقشها وفقاً لمبدأ تناقص المنفعة، فإن التساؤلات تلتقي عند إجابة جوهرية مفادها: أن الذي أوصل اللاعبين لأدنى حدود المنفعة هو الاحتراف ذاته، ولا يظهر من مخرج من نفق الإخفاقات ما لم يتم إجراء مراجعة حقيقية لموضوع الاحتراف، وإلا فسيستمر التساؤل التالي: كيف أن لاعبين يتقاضون أجزاء من مئة مما يتقاضاه لاعبي المملكة يتفوقون في الميدان، سواء كان ذلك داخلياً مع الفرق التي تتعاقد معهم أو خارجيا مع منتخاباتهمً؟

رابعاً: الدروس المستفادة:

لعل أكثر ما لفت انتباهي هو هيبة لاعبي فريق ويسترن سيدني وندرارز الاسترالي، وكأني بذلك المظهر، وهو بالمناسبة نفس المظهر الذي كان عليه لاعبي منتخب استراليا في اللقاء الودي الأخير خلال معسكر منتخب المملكة بلندن، أتلقى من شخصية البطل رسالة مفادها: دعهم يتحدثون.. دعهم يستعدون.. دعهم يركضون.. دعهم يصرفون.. دعهم يختلفون.. دعهم ودعهم.. وسواء كان ذلك كله داخل الملعب أو خارجه.. فهذا لن يشغلنا.. بل هو دليل على قدرتنا.. وبأقل مجهود منا.. أن نحقق ما نسعى إليه.. سنمنع عنهم مرمانا.. وسنحبطهم.. وسنباغتهم.. ومهما ارتفع رتمهم في الملعب.. فنحن لم نُفعّل "دبلات" ماكينتنا بعد.. كما أن بإمكاننا تشغيل "دفعها" الكامل.. الذي هو في متناولنا وتحت تصرفنا، هذا هو الواقع المجرد.

أما الدرس المهم الآخر، فأعود هنا إلى من هم في سن (10 – 12) من عمرهم، ويتعلق الأمر بمستقبل أولئك اليافعين الذين تسربوا من الفصول الدراسية بعد المرحلة الابتدائية أو قبلها، منذ بدء الاحتراف الذي تمنوا من خلاله تحقيق أحلام وطموحات، فلا هم بلغوا ما كانوا يتمنون ولا هم عملوا على بناء أنفسهم ومستقبلهم من خلال التحصيل العلمي، ولن أتحدث عن الهدر المالي وحروب الأسعار، ولن أتحدث عن التعصب الرياضي، ولن أتحدث عن غير ذلك مما هو كثير، فهناك من هو أدرى مني بذلك.

خامساً: الخاتمة:

إن خلاصة تجربة عشرين عاماً من احتراف كرة القدم في المملكة هي كالتالي:
"كان بالمملكة محترفون دون احتراف وأصبح بالمملكة احتراف دون محترفين".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي