الرياض بلا مشاة!

ألا تلاحظون معي بأنه لا وجود يذكر في مدينة الرياض لأناس يمشون على طرقاتها؟، مشيا وظيفيا لقضاء الحوائج أو رياضيا أو ترفيهيا، على طرقاتها التجارية أو غير التجارية، التي في داخل الأحياء أو المحيطة بها، ليلا أو نهارا، شتاء أو صيفا، حتى وصل بنا الحال حينما نرى من نعرف يمشي على قدميه في طريق ما نستهجن ذلك الحال! ولربما نقف لنسأله، (أي خدمة؟ أو عسى ما شر؟ أو سلامات؟). فقد أصبح سكانها متحصنين داخل سياراتهم، يتنقلون بها إلى كل مكان من المدينة دون موانع أو شروط، مما جعلها وسيلة التنقل الوحيدة لديهم، مهما قرب المكان المقصود أو بعد.
لماذا نريد السكان أن يمشوا على أقدامهم؟ والإجابة عن ذلك هي، وقاية من الأمراض الجسدية أو علاج لها، ولتقليل عدد رحلات السيارات في المدينة وبالتالي تقليل انبعاث الأدخنة الضارة بالصحة وتقليل الضوضاء، وإطالة لعمر السيارات، وخفض عدد الشراء منها، وخفض عدد الحوادث المرورية، وخفض المصروفات المالية على السكان وعلى الدولة لعلاج المشكلات السابقة، ولزيادة الروابط الاجتماعية فيما بين السكان جراء الالتقاء المحتمل مع بعضهم أثناء المشي.
أما الأسباب التي جعلت مدينة الرياض بلا مشاة؟ فهي عديدة، منها السبب (أو العذر) الأكثر ذكرا من قبل سكانها وهو: قساوة الطقس الحار نهارا وربما ليلا أيضا في معظم شهور السنة، وهذا السبب صحيح ولكن أين هم من المشي في أوقات الليالي الباردة وفي فصول السنة معتدلة الطقس كالربيع والشتاء وربما الخريف؟.
في الواقع هناك أسباب سلبية أكبر تأثيرا من قساوة الطقس على المشاة في مدينة الرياض منها مادية ومنها فكرية أدت إلى عزوفهم عن المشي على طرقاتها ألا وهي: حال الأرصفة القائمة، فهي غير مناسبة للمشي مطلقا من حيث كثرة العوائق التي تتوسطها كمحولات الكهرباء وحاويات النفايات وأعمدة الإضاءة واللوحات الإرشادية وكمرات (ساهر) أخيرا. إضافة إلى اختلاف مناسيب الأرصفة على طول الطريق، وعدم وجود منحدرات سهلة في الأرصفة عند تقاطع الطرقات وعند إشارات المرور لتسهيل العبور إلى الجانب الآخر. وعدم توفر معابر مشاة كافية وآمنة وسهلة وفي الأماكن المناسبة من الطرقات تكون على شكل جسور أو أنفاق أو على مستوى الطريق مجهزة بإشارات ضوئية تجبر سائق السيارة على احترامها. كما أن معظم الأرصفة غير مشجرة بالشكل الصحيح لتوفير الظل في أوقات النهار، ولتجميلها، ولتفصلها بصريا عن الطريق والسيارات، ولتلطيف الهواء وتنقيته، ولامتصاص الضوضاء الناتجة من السيارات. وأن عروض الأرصفة غير كافية لكي تستوعب حركة المشاة في الاتجاهين والأشجار وأعمدة الإضاءة واللوحات الإرشادية وسلات وحاويات القمامة ومقاعد الاستراحة. كما أن بعد أماكن الخدمات العامة من مدارس ومستوصفات وملاعب رياضية وحدائق ومحلات تجارية عن المساكن في الأحياء اضطر سكانها إلى استخدام السيارات للوصول إليها. وعدم معرفة الكثير منهم بفوائد المشي العظيمة ومضار تركه، وربما أخيرا وليس آخر العيب الثقافي لدى بعض السكان خصوصا المواطنين منهم وهو أن المشي على الأرصفة العامة من التصرفات المعيبة وأن رؤية من يعرفونهم لهم وهم يمشون لقضاء الحوائج أو للرياضة أو للترفيه يدني من مكانتهم الاجتماعية.
لذا وبالرغم من النواقص والمشكلات المعمارية المذكورة أعلاه في (شبكة المشاة) في مدينة الرياض، إلا أن ذلك لا يستدعي ترك سكانها المشي بالشكل الذي هم عليه الآن خصوصا الأصحاء منهم، وأن على من يؤمن منهم بأهمية المشي المبادرة إلى تفعيل ذلك النشاط وربما عمل برامج توعوية وتنفيذية من خلال جمعيات أو نوادٍ مدنية قد يكون شعار أحدها، (لنمشي معا)، وذلك بالتوازي مع ما هو مطلوب تنفيذه سويا من قبل الجهات الحكومية المعنية: كوزارة الصحة، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة الثقافة والإعلام، والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، والرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، وربما غيرهم، لكون المشي مطلبا وطنيا مهما لأثره الإيجابي على أمن وصحة سكان المدينة وبالتالي على زيادة إنتاجهم وتحسن اقتصاد المدينة، بل الوطن بأكمله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي