ترمب وشي يهددان خطط «أبل» في الهند
قيمة المنتجات التي تُصنعها الشركة في الهند قفزت بنسبة 60% خلال العام الماضي لتصل إلى 22 مليار دولار
بكين باتت تنظر إلى مشروع "أبل" في الهند كخطر محتمل يستدعي وضع بعض العراقيل في طريقه
"فوكسكون" تنشئ مقراً جديداً في الهند، و"تاتا إلكترونيكس" بدأت تجميع "آيفون 16" بمصنعها هناك
تواصل شركة "أبل" وشريكها الرئيسي في التصنيع "هون هاي بريسيجن إندستري" (Hon Hai Precision Industry) الرهان على السوق الهندية. فقد كشفت "هون هاي"، المعروفة باسم "فوكسكون" (Foxconn)، عبر إفصاح في البورصة الأسبوع الماضي، عن ضخ استثمار إضافي بقيمة 1.5 مليار دولار في عملياتها هناك، في خطوة هدّأت بعض المخاوف التي كانت تتصاعد في أروقة نيودلهي.
بدأت المخاوف تتصاعد بشأن مستقبل "أبل" في البلاد، بعدما صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الشهر الماضي للرئيس التنفيذي للشركة تيم كوك، قائلاً: "لا أريدكم أن تبنوا مصانعكم في الهند". هذا تصريح بدا كأنه يتناقض مع الآمال التي تتقاسمها كوبرتينو ونيودلهي بشأن تصنيع معظم هواتف "آيفون" المخصصة للسوق الأمريكية في الهند بحلول نهاية 2026.
لكن على أرض الواقع، يبدو أن توجّه "أبل" نحو الدولة الواقعة في جنوب آسيا ترسخ بشكل واضح. فقد كشفت تقارير عن إنشاء مقر جديد لشركة "فوكسكون" يُتوقع أن يستوعب نحو 30 ألف موظف، وهو أكبر مشروع من نوعه في تاريخ الهند الحديث. كما أفادت التقارير بأن "تاتا إلكترونيكس" (Tata Electronics)، وهي شركة تصنيع أخرى متعاقدة مع "أبل"، بدأت بالفعل في تجميع هاتف "آيفون 16" داخل مصنعها في جنوب الهند.
معوقات تتجاوز ترمب
مع ذلك، ربما بدأ الرؤساء التنفيذيون والساسة يدركون أن التحديات المرتبطة بنقل، أو حتى تكرار، منظومة تصنيع متكاملة، تتجاوز مسألة إرضاء ترمب. فهذه بيئة معقدة، وعملية إخراجها من الصين تواجه عقبات جسيمة. كما أن السياسة الأمريكية قد تكون الأكثر صخباً، لكنها ليست العقبة الوحيدة.
من المؤكد أن شركة "أبل" حققت نجاحاً كبيراً في الهند بالفعل، ولهذا السبب يتحدث ترمب عنها. ففي العام الماضي وحده، قفزت قيمة المنتجات التي تُصنعها الشركة في الهند بنسبة 60% لتصل إلى 22 مليار دولار، منها أكثر من 17 مليار دولار تُصدر للخارج. وبفضل "أبل"، أصبحت صادرات الهند من الإلكترونيات، التي تبلغ حالياً 38 مليار دولار، تدُر عوائد تفوق تلك التي يحققها قطاع الأدوية الشهير عالمياً في البلاد. ولم يحقق أي استثمار آخر عائداً بهذا الحجم. بل في الواقع، قد يكون هذا هو النجاح الوحيد لتحول رئيس الوزراء ناريندرا مودي نحو السياسة الصناعية مطلع ولايته الثانية في السلطة.
دعم سياسي للانتقال إلى الهند
تحقق هذا النجاح النادر بفضل التزام "أبل" ومورديها بنقل الإنتاج إلى الهند، وبفضل إعادة صياغة الحكومتين الفيدرالية والمحلية للوائح والتصاريح لتسهيل هذا الانتقال. إضافة إلى استمرار الساسة في تقديم هذا الدعم، حتى عندما كان لذلك ثمن سياسي.
فبعد الاشتباك الحدودي بين الصين والهند في 2020، الذي أسفر عن مقتل 20 جندياً، فرض المسؤولون الهنود قيوداً على الاستثمارات القادمة من بكين. وبمرور الوقت، بدأت هذه القيود تُخفف تدريجياً، وذلك أساساً لضمان عدم وقوع المتعاقدين مع "أبل" في فخ الإجراءات البيروقراطية.
ينبغي أن تكون تلك التجربة قد شكلت تذكيراً لنيودلهي بأن استقطاب منظومة متكاملة يتطلب تعاون 3 جهات رئيسية، ألا وهي الشركات والسوق المستهدفة لمنتجاتها والمنطقة الجغرافية التي تنطلق منها هذه المنظومة.
قد تكون "أبل" و"فوكسكون" على استعداد لذلك، وربما يمكن التعامل مع ترمب ورسومه الجمركية، لكن ماذا عن الصين؟
صعوبة تجاوز النفوذ الصيني
يوضح كتاب صدر أخيراً عن الصحافي السابق في صحيفة "فاينانشيال تايمز" باتريك ماكجي بأن توسع شركة "أبل" في الصين، وخاصة "فوكسكون"، جاء نتيجة مساهمة المستثمرين والمهندسين الأمريكيين. وهذا ليس مفاجئاً، فكل قوة صناعية تُدرب منافسيها وحلفائها. وهذا ما فعلته بريطانيا العظمى مع الولايات المتحدة قبل قرون. يجب أن يكون الممولون والمهندسون والموردون الذين يُشكلون النظام الصناعي القائم، مستعدين وقادرين على التعاون لإنشاء نظام صناعي جديد. وعادةً ما يُكافئون على ذلك بسخاء.
أما بالنسبة لشركات التصنيع المتعاقدة مع "أبل" وموردي المكونات في الصين، سواء أكانت شركات كبيرة أو صغيرة، فقد تكون مستعدة لبدء العمل في الهند، فالأرباح تظل أرباحاً أينما تحققت. كما قد يرحب بعض مهندسيهم بالانتقال إلى هناك للإشراف على خطوط الإنتاج الجديدة.
بكين تعيق انتقال "أبل" إلى نيودلهي
لكن، وكما يبدو، فإن بكين قد لا تسمح بحدوث ذلك. فقد مُنع عديد من الموظفين الأساسيين ذوي الخبرة من السفر إلى الهند وجنوب شرق آسيا. وبينما تسعى "أبل" ونيودلهي إلى كسب ود ترمب وإقناعه بقبول فكرة تصنيع هواتف "آيفون" المخصصة للسوق الأمريكية في الهند، فإن الواقع يفرض عليهما السعي أيضاً إلى استمالة الرئيس الصيني شي جين بينج.
من الناحية الموضوعية، لا يزال النظام الصناعي الذي تقوده "أبل" في الهند بعيداً جداً عن منافسة هيمنة الصين في قطاع التصنيع. فالصين تظل الدولة التي لا غنى عنها، ليس فقط لشركة "أبل"، بل أيضاً لعديد من الشركات التي تكافح لنقل إنتاجها إلى الهند وفيتنام ودول أخرى.
ومع ذلك، باتت بكين تنظر إلى مشروع "أبل" في الهند كخطر محتمل يستدعي وضع بعض العراقيل في طريقه. وبغض النظر عن رأي بقية العالم، يبدو أن هناك توافقاً بين ترمب و"أبل" ونيودلهي وبكين بشأن إمكانيات التصنيع في الهند خلال السنوات القليلة المقبلة.
خاص بـ "بلومبرغ"