ركوب الموج (6) : مُدللي "الموطنة" في مواجهة شِداد "العولمة"..!

إن مناسبة هذه المقالة هو إيضاح واقع الحال لأحد قطاعات الخدمات الأهم في أي اقتصاد (وأعني بذلك قطاع البنوك)، وذلك وفقاً "لرعاية" حماة "الموطنة" مقارنة بالظروف المتوافقة مع متطلبات "العولمة"، فتخيل عزيزي القارئ لو أنه أُقيمت بطولة تضم أبطال أقوى (16) دوري في العالم على ألا يُشارك في الفرق بتلك البطولة سوى اللاعبين المواطنين من كل فريق بطل لدوري الدولة التي يُمثلها، فهل سيتأهل بطل دورينا المحلي من خلال التصفيات الأولية، فالتصفيات القارية إلى البطولة المفترضة؟ وفي حال تم "التأهل"، فهل سيكون اللعب مع المنافس "سجالاً" (أي الند للند) أم سيكون "الاستحواذ والسيطرة" من جانب واحد واللعب "تجاه مرماً واحداً"؟ وكيف ستكون "الحصيلة النهائية" للمواجهة ؟

تلكم هي "المقاربة" والتي هي الأقرب لما يحصل في قطاع البنوك لدينا وتلك التي لدى الدول التي تجاوزت "المرحلة الانتقالية" من مراحل التدرج الطبيعي لتكوين المجتمعات، وبلغت مرحلة "العولمة" التي أكدت على أنها مرحلة "حتمية" في إطار "القانون الطبيعي" لتطور المجتمعات، والآن.. لننظر إلى بعض أهم النتائج بين من يتمسكون "بمبدأ الحماية" والذين حققوا مقتضيات "القانون الطبيعي".

في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات بأن البنوك المحلية تحقق أرباحاً قياسيةً ومتناميةً سنوياً دون أن تراعي جوانب "المسئولية الاجتماعية" (وهو أمر أتحفظ عليه مبدئياً.. حيث أنه أحد أسس "النظام الاشتراكي")، تتنافس البنوك الأقوى عالمياً لرعاية الجمعيات الخيرية، والأندية الاجتماعية، والأندية الثقافية، والأندية الرياضية، وأقوى البطولات العالمية بمختلف صنوفها وأنواعها الفردية والجماعية والفروسية والسيارات، وغيرها، ليس من منطلق "المسئولية الاجتماعية" بل لما في ذلك من تحقيق لمصالح "أعضاء جمعياتها العمومية"، من خلال توسع منطقة عملها، وارتفاع مستوى مبيعاتها، وزيادة حجم حصتها في السوق الدولية.

سيتحجج حماة "الموطنة" بأن بنوكنا تجتاز أقوى أختبارات "تحمل الضغوط المالية" وتُطبق "معايير ومتطلبات (بازل-1، وبازل-2،... وبازل-10)، والرد البسيط على ذلك: مصيبة وكارثة ألا تستطيع البنوك المحلية إجتياز تلك الاختبارات وهي التي تأخذ وتأخذ وتأخذ مقابل القليل القليل القليل الذي تعطيه، فدعونا من "خداع النفس"، ودعونا من حجة "الكارثة المالية" التي حدثت نهاية عام (2008 م) وكادت تقوض "النظام المالي الدولي" وتداعياته التي كانت ستؤدي إلى "إنهيارٍ اقتصاديٍ" مدوٍ، فجميعنا يعلم ما هي أسباب ذلك ومن المتسبب فيها، وما آل إليه حال الزمرة التي لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة والتي لا حكم لها على "الغالبية العظمى" من البنوك المحترمة على مستوى العالم.

الآن.. لنقارن الخدمات والمنتجات التي تقدمها بنوك "العولمة" مع تلك التي تقدمها بنوك "الموطنة"، فعندما تفتح حساباً في أحد بنوك "العولمة" على اساس تحويل "الراتب الشهري" إليه ستشمل الخدمات الأساسية التي تحصل عليها الآتي: (أ) "السحب على المكشوف" في حدود تتراوح ما بين "ثلث الراتب" فأكثر حسب سجلك لدى البنك ودون أية رسوم أو تكاليف إضافية (أي مجاناً)، (ب) "بطاقة سحب آلي" مع "خاصية بطاقة الإئتمان" لتنفيذ عمليات الشراء من أي نقطة بيع في العالم وعبر شبكة "الإنترنت"، (جـ) خدمة متميزة، من خلال مبادرة البنك بالإقرار بحصول خطأ، والاعتذار لحصوله كتابيا،ً واتخاذ الإجراء اللازم لتعديله قبل أن تدرك أنت ذلك أو قد تهتم أصلاً له بسبب ضألة الخطأ، (د) خدمات شخصية إضافية كخدمات التمويل بمعدل يتناسب وسجل العميل (أي شروط تفضيلية للعميل الملتزم لمساعدته على إنهاء "المديونية" وليس إغرائية للإيقاع به في "فخ الاقتراض" اللانهائي)، وعمولة على أساس المبلغ المتبقي من "مبلغ الاقتراض الأساس"، (هـ) عروض لدمج المديونيات التي يتكبدها العميل (أي بطاقات الإئتمان مع عدة أطراف، قروض تمويل لدى بنوك أخرى) في مديونية واحدة يتحدد عمولتها في ضوء سجل العميل، (و) إمكانية تحسين شروط التمويل الشخصي في ضوء السجل التاريخي للعميل مع البنك، وغير ذلك.

تلكم من أهم ما يحصل عليه "العميل العادي" في بنوك "العولمة" المعتبرة دولياً من خدمات ومنتجات، وأتحدى.. ثم أتحدى أن "يعتذر كتابياً" أحد بنوك "الموطنة" لخطأ إرتكبه مهما كانت فداحته ففي ذلك "مساس لبرستيجه"، وأتحدى ثم أتحدى أن "يُقدِّم" أحد بنوك "الموطنة" خدمة ما يُعرف "بالسحب على المكشوف" أو "بطاقة صرف آلي" مع خاصية "بطاقة الإئتمان"، وأتحدى ثم اتحدى أن "يقبل" (وليس أن "يُبادر") أحد بنوك "الموطنة" بدمج "مديونيات" عميلٍ عاديٍ في "مديونيةٍ واحدةٍ"، والسبب الجوهري في ذلك وغيره أن "الجمعية العمومية" لبنك "الموطنة" لن توافق على ذلك، خاصة ذاك العضو في "الجمعية العمومية" وكذلك في "مجلس الإدارة" الذي يرتبط به الجهاز المسئول عن الإشراف على القطاع المالي.

أكاد أُجزم أنه لو أتيح "للعملاء العاديين" (مقابل "مبلغ مقطوع" لتغطية تكلفة "التحويلات الدولية") فتح حسابٍ لتحويل رواتبهم إلى أحد بنوك "العولمة" في الدول المجاورة، وذلك للحصول على جزء من تلك "المزايا" والخلاص من استبداد بنوك "الموطنة"، إذاً لسارع "العميل العادي" إلى ذلك، وأكاد أجزم أن ذلك العضو في "الجمعية العمومية" وفي "مجلس الإدارة" يعلم أن الوضع القائم بارتباط الجهاز المسئول عن الإشراف على القطاع المالي به فيه "تعارض مصالحٍ" كبير، وأنه لن يسمح بتمكين "العميل العادي" من فتح حساب على أساس "تحويل الراتب" لدى بنوك "العولمة" ففي ذلك مساس لما يُحصله من إيرادات، ولعله يعلم "يقيناً" أن "فك الارتباط" بينه وبين الجهاز المسئول عن الإشراف على القطاع المالي حاصلٌ لا محالةٍ، فمصلحة "الاقتصاد الوطني" هي فوق أي إعتبارات "إنتقالية" لا تبدو لها نهاية، وأن تحقيق مصلحة "الاقتصاد الوطني" سيكون بالتمشي وفقاً لمتطلبات "القانون الطبيعي" لمراحل تكوين المجتمعات وتطوّرها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي