الداخلية: «بروبغاندا» الإرهاب.. إرهاب
"إنفاذا للأمر الكريم القاضي باعتماد قائمة التيارات والجماعات ــــ وما في حكمها - الدينية أو الفكرية، المتطرفة، أو المصنفة كمنظمات إرهابية، داخليا أو إقليميا أو دوليا، ومعاقبة كل من ينتمي إليها أو يؤيدها أو يتبنى فكرها أو منهجها بأي صورة كانت، أو الإفصاح عن التعاطف معها بأي وسيلة كانت، أو تقديم أي من أشكال الدعم المادي أو المعنوي لها، أو التحريض على شيء من ذلك أو التشجيع عليه أو الترويج له بالقول أو الكتابة بأي طريقة".. بهذه الكلمات المجلجلة، ابتدأ المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية مؤتمره الصحافي الأخير، الغني، والمميز: أمنيا، وقانونيا، وإعلاميا. ابتدأ قويا، وانتهى كذلك، وكانت أسئلة الصحافيين ذكية، فجاءت إجابات الخبير منصور التركي وافية واضحة، نزلت كالصاعقة على كل من في قلبه مرض، من أرباب الفكر الضال، ودعاته، رؤوس الفتنة، وموقد الشرر، ورموز الدعاية الخبيثة، التي تتبنى خطاب العدو وتروج له. فهذه المرة، لم يكتف اللواء منصور بسرد المعلومات والوقائع فقط ــــ رغم الأهمية البالغة لذلك ـــ بل تجاوزها لما هو أبعد، موصلا رسالة حازمة حاسمة، منبئة بأن ما قبل الأمر الملكي ـــ المشار إليه ـــ ليس كما بعده، واللبيب بالإشارة يفهم.
بيان الداخلية بشأن القبض على الـ "88" إرهابيا قبل تنفيذ مخططاتهم الإجرامية، موجود، ويمكنكم الرجوع إليه، لكن موضوعي هنا هو ذلك السؤال العميق، للصحافي النشط محمد الغنيم من صحيفة "الرياض" حين قال: "دائما ما راهنت وزارة الداخلية ــــ وتراهن من خلال هذا البيان ـــ على وعي أبناء المجتمع في استشعار الخطر المحيط، ولكن دائما العمل الأمني الميداني يبقى قاصرا إذا لم يواكبه عمل آخر، أقصد ــــ وعطفا على سؤال زميلي ــــ هناك حملات تشكيك وتخوين وبث فتن داخل المجتمع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر "تويتر" و"يوتيوب" تحديدا، وللأسف بعضها يقودها رموز داخل المجتمع، وبعضهم أكاديميون، لماذا لا تضع وزارة الداخلية حدا لهذا العبث الذي دائما ما يعود بنتائج عكسية على أمن المجتمع وسلامته؟" فجاءت إجابة اللواء منصور التركي كالتالي: "وزارة الداخلية جهة منفذة للأنظمة، لا تضع الأنظمة، ولكنها تنفذ ما يصدر من أنظمة. والحقيقة أن هناك الكثير من الأنظمة التي تنظم استخدام وسائل الاتصالات الإلكترونية بشكل عام، وخاصة نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، وللأسف الشديد أن تختلط الأمور ببعض، فهناك من يسعى، وممن ينتمي في الحقيقة لهذه الجماعات ولا يريد أن يظهر بثوب هذه الجماعات، ويحاول أن يلتف على الأمر، وبالتالي يحاول أن يصطاد في الماء العكر، يستغل هموم المجتمع، ويستغل أي وضع في المملكة، ويحاول أن يسيء للبلد، ويسيء للدولة، من خلال استغلاله التأثير في المجتمع، ولكن ما نلمسه - والحمد لله - من المجتمع، أن المجتمع واع، ويدرك هذه الأمور، وإن تبعهم البعض، فهذا لا يعني أن أغلبية المجتمع مهتمة بما يقومون بنشره، طبعا من توافرت الأدلة، وحددت الجهات العدلية مخالفته للأنظمة، فمهمتنا تتمثل في القبض عليه، وبالتالي إخضاعه للتحقيق من قبل الجهات المختصة، وتقديمه للقضاء، لكن ما زلنا نقول إننا نعول على وعي الرأي العام. وعي الرأي العام - ولله الحمد - بخير، المواطنون والمقيمون على حد سواء، الحقيقة، يساهمون مساهمات إيجابية في التصدي لمثل هذه الأعمال، وأيضا في الحقيقة، لا يترددون في الاتصال بالجهات الأمنية، وإبلاغهم عن كل ما يتوافر لديهم من معلومات، حتى ولو كانت محل اشتباه لا أكثر ولا أقل".
لي في ذلك وقفات:-
الأولى: لمجتمعنا السعودي، الذي وصفه اللواء بـ"المجتمع الواعي"، فهذا ليس وصف مجاملة، أو وصفا نابعا من شخصية دبلوماسية، أو سياسية، أو حتى إعلامية، بل هو وصف من شخصية أمنية مطلعة. ومن المعلوم أن لا مجاملات في الشؤون الأمنية، فحين تصفنا وزارة الداخلية بـ "المجتمع الواعي" فالأكيد أنها تستند إلى حقائق على الأرض، وهو ما ثبت في عدة مناسبات في الماضي والحاضر، وعليه حين تقول الداخلية إنها " تُعول" علينا كمجتمع، فهذا يعني عرفانا من الداخلية لنا وبنا كمواطنين، وتثمينا وتقديرا لدورنا عاليا، واعترافا بمدى فاعلية هذا الدور، وأننا كمواطنين لسنا فقط شركاء في تحقيق أمن وسلامة الوطن والمجتمع والحفاظ عليه، بل نحن صمام الأمان الأول، ورجل الأمن الأول، في هذه البلاد، وهو ما يجعلنا مستشعرين لعظم هذه المسؤولية، فأمن السعودية أمانة في عنقي وعنقك، قبل أي أحد، ولا فرق بين المواطن، أو رجل الأمن الرسمي، فكلانا رجال أمن هذا الوطن العظيم الطاهر، وكلانا مسؤول عن أمن وسلامة الدولة، شعبا وأرضا وسيادة، وهو ما يلزمنا أن نبقى متيقظين، وعلى اتصال، وتناغم، دائم مع الجهات الأمنية المختصة، خاصة في حال الاشتباه بأي حالة كانت.
الوقفة الثانية: للواء، وهو الذي لا يخفى عليه أنه وإن كانت الغالبية العظمى الساحقة من أبناء المجتمع، واعين، ولم ينخدعوا، أو يتأثروا بدعاة الفتنة، ودعاية الجماعات والتيارات الإرهابية والمتطرفة، إلا أن الأقلية القليلة قد تحدث أضرارا حقيقية بالغة بأمننا، ما لم يتم التصدي لها بحزم وذكاء منذ البداية، وقد أثبتت تجارب سابقة صحة ما ذكرت، وما حدث في مصر ــــ على سبيل المثال ــــ في ثورة 25 كانون الثاني (يناير)، تجربة عملية واضحة، فمن خرج في تلك الأحداث إلى الشارع ــــ بعد تصعيد غير مسبوق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقوبل حينها باستهتار ــــ لم يمثل ولا 10 في المائة من السكان، إلا أن فاعليتهم كانت حقيقية. كما أن قضية "الوعي" المُعوَّل عليها، والمثبتة ـــ ولله الحمد ــــ على أرض الواقع، إلا أنها هي الأخرى تظل مسألة نسبية، وهو ما أثبته علماء الدعاية، والإعلام السياسي، حين أثبتت نتائج دراسات عدة قاموا بها في هذا المجال، أن - وأنقل نصا - "من السذاجة اعتبار أن الرأي العام، المحلي أو الأجنبي، يمتلك دائما وجهة نظر مبنية على معلومات مؤكدة أو رأي متماسك بشأن المسائل ذات الصلة بالقضايا السياسية الوطنية والأجنبية، وأن الصلات المباشرة والفعالة بين الرأي العام والسياسات ليست موجودة دائما" وهو ما اعتبروه ثغرة خطيرة، قد تتسلل عبرها دعاية العدو، ما لم تواجه بحزم، وهو ما أشرت إليه في دراسة لي من أن "التطور السريع في البنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات التي حولت طبيعة نقل المعلومات من أسلوب "الواحد ـ العديد" إلى النموذج التفاعلي.
أما الثالثة: فلدعاة الفتنة، وأرباب الدعاية الضالة، تلك التي تتبنى خطاب العدو، وتنشر الشائعات، وتحاول أن "تلتف على الأمر" الملكي الكريم، وتتذاكى، وتراوغ - خاصة أولئك الناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي - أن اربطوا الأحزمة، فخطابكم الدعائي الماكر قد جرى تحليله، وأضحى عاريا أمامنا، ومُدانا.