معدل النسبة السنوية والقسط المتناقص في القرض الاستهلاكي
مع ضوابط التمويل الاستهلاكي التي أعلنتها مؤسسة النقد فإنه وباختصار يمكن القول إن الوضع سيبقى على ما هو عليه، ففي تقرير مميز أكدت وحدة التقارير في "الاقتصادية" أن القروض الاستهلاكية قد بلغت 342.6 مليار ريال، كما أورد التقرير أن هذه القروض تنمو سنويا بنسب متفاوتة بلغت 30 في المائة في بعض السنوات، وستظل تنمو بالرغم من ضوابط مؤسسة النقد للتمويل الاستهلاكي، ذلك أن التعديلات الواردة فيها تمس طرق الإعلان والإفصاح ولن تؤثر على قدرة المصارف في عرض البرامج وحجم القروض، تلك الضوابط التي قالت المؤسسة إنها تهدف إلى مزيد من الحماية للمستهلكين من خلال فرض مستويات إفصاح جديدة تساعد في عقد مقارنة صحيحة بين المصارف. ولعل أهم ما رد في تلك الضوابط هو معدل النسبة السنوية، Annual Percentage Rate APR وكذلك العمل بطريقة القسط المتناقص.
ويلاحظ القارئ أن هناك فرقا حتى في المصطلح بين معدل الفائدة Interest Rate ومعدل النسبة السنوية APR. معدل النسبة السنوية ليس الفائدة التي تمثل قياسا للعائد على المصرف من الإقراض، بل مجرد "رقم" توضيحي تم تطويره من أجل تسهيل المقارنة بين تكلفة القروض بين المصارف. فالمصارف عندما تعلن عن معدل الفائدة فهي تقصد بذلك الفائدة الاسمية التي تأخذها عن القرض في العام الواحد، وبناء عليها يتم احتساب الفوائد على طول سنوات القرض وكذلك احتساب الدفعات، وعادة ما تقوم المصارف بإجراء عدة أمور قبل وبعد القرض، من ذلك تجعل المقترض يدفع مبالغ بخلاف قيمة القرض تسمى مصاريف إدارية وهي عادة تدفع ضمن أول دفعات في القرض؛ أي أنها تدخل ضمن الدفعات بحيث لا يشعر بها المقترض. والثاني أنها تأخذ فوائد بالطريقة التراكمية أي فوائد على الفوائد، وهذا ما يجعل القرض العقاري يتضخم عند سداده عن الاستهلاكي نظرا لعدد السنوات. كل هذه العمليات تؤثر بلا شك في إجمالي ما يدفعه المقترض للمصرف في نهاية مدة القرض ولهذا فإن مجرد الإعلان عن سعر الفائدة فقط دون إجمالي التكاليف وتفاصيلها سيضلل المقترض تماما، وخاصة عندما تبدأ المصارف بالتنافس على العملاء من خلال الإعلان عن أسعار فائدة تصل إلى 1 في المائة وهي نسبة رخيصة جدا، بينما عندما تقارن بينها في إجمالي التكاليف التي يدفعها المقترض ولو ضمنيا تجدها متقاربة جدا.
معدل النسبة السنوية محاولة - عليها بعض التحفظات - لتمكن العملاء من المقارنة الجيدة بين المصارف وبين القروض، فهو كنسبة لا تدخل في حسابات أرباح المصارف لكنها تعطي مؤشرا للمستهلك عن التكلفة الحقيقية للقرض، فهذه النسبة تأخذ في الحساب كل التكاليف التي يدفعها المقترض حتى تلك الإدارية، فمثلا لو أن هناك عميلا يريد الحصول على قرض 200 ألف ولديه عرضان من مصرفين مختلفين، العرض الأول يعطيه قرضا بفائدة 5 في المائة وأتعاب إدارية 3000 ريال، الثاني يعطيه قرضا بفائدة 4,80 في المائة وهناك أتعاب إدارية 6000 ريال، من الوهلة الأولى يبدو العميل متحيرا تماما، فالفائدة في القرض الأول أعلى من الثاني بنسبة بسيطة والثاني أعلى في الأتعاب الإدارية، ولكن باستخدام معدل النسبة السنوية سيظهر العرض الأول باحتساب جميع التكاليف بمعدل نسبة سنوي قريبا من 5,13 في المائة والثاني بمعدل 5,11 في المائة تقريبا. وهكذا يظهر الفرق بينها بوضوح وفي رقم واحد.
وبمعنى آخر فإنه يمكن للعميل أن يستفيد من معلومات سعر الفائدة وقيمة الأتعاب الإدارية إذا كان يتعامل مع مصرف وحيد فقط وأمامه عرض واحد من القروض لا غير، ولا حاجة له لمعرفة معدل النسبة السنوية- إذ تنعدم الفائدة منه لعدم وجود مقارنة، ذلك أن حساب سعر الفائدة والتكاليف الإدارية مهم دائما لأنه سيحدد له كم سيدفع وعليه سيتخذ القرار بناء على قدرته وميزانيته المخصصة. وهكذا فإذا لم يكن هناك مقارنة مع قروض ومصارف أخرى فإن معدل النسبة السنوية يفقد قيمته، فالرقم 5,13 في المائة في المثال الذي عرضته سابقا لا معنى له بتاتا إلا إذا وضعناه بجانب الرقم 5,11 في المائة هنا يمكن للمقارنة أن تعطي معنى ودلالة.
من الجدير بالذكر في الضوابط الجديدة فرض طريقة القسط المتناقص عند احتساب إجمالي الفوائد المطلوب دفعها من قبل العميل، وطريقة القسط المتناقص تجعل إجمالي المبلغ الذي يدفعه العميل كسداد للقرض أقل من استخدام طريقة القسط الثابت غير العادلة تماما. فوفقا للقسط المتناقص يدفع العميل فوائد أقل كثيرا عند آخر دفعة من سداد القرض مقارنة بالفوائد في أول قسط، ذلك أن العميل يدفع في أول قسط فائدة القرض وفائدة على الفائدة، ثم تبدأ الفوائد تتناقص كلما سدد جزءا من القرض. بينما في الطريقة الثابتة يدفع قيمة الفوائد نفسها مهما سدد من القرض. لكن الملاحظ في الضوابط أنها لم تكن أشد وضوحا في طريقة القسط المتناقص ذلك أن المصارف اليوم تطبق هذه الطريقة فعلا ولكن بشكل يجعل المواطن يدفع قيمة الفائدة نفسه على القرض حتى السنوات الأخيرة من عمره.
فالمصارف تؤجل سداد القرض حتى آخر الفترات، فهي تقوم ابتداء باحتساب الفوائد على القرض على أساس أن المواطن لن يسدده إلا في آخر الدفعات، وهذا يضمن للمصرف بقاء الفوائد على القرض دون تناقص، فما الذي يتناقص فعلا لدى المصارف عند احتساب الأقساط، هي الفائدة فقط. أي أن المصرف يضع في حسبانه أن العميل يسدد الفوائد في الفترات الأولى من القرض وهنا يتم احتساب القسط المتناقص عند احتساب الفوائد على الفوائد بينما باقي أصل القرض كما هو. وهذا هو الذي يوجد المشكلات مع المصارف عند طلب العميل تصفية القرض والسداد المبكر حيث يكتشف بعد سنوات من السداد أنه حتى الآن لم يسدد القرض، بل كان يسدد فوائده، كان يجب على الضوابط أن تفرض على المصارف احتساب جزء من القرض في كل قسط وإعادة احتساب الفوائد بناء على المتبقي منه، وهذا سوف يؤثر جوهريا على إجمالي المبلغ المستحق للسداد. لذلك فبالرغم من نص الضوابط على طريقة القسط المتناقص إلا أن الواقع والممارسات الحالية لن تتغير، وستظل لدينا مشكلة السداد المبكر.