المثقفون والحديث في الأدب
كنت أستمع إلى حديث من أحد كتابنا الأفاضل الذين أثروا الساحة الثقافية بفنون المعرفة من أدب وتاريخ وسياسة وله مؤلفات عديدة في النثر والشعر والأدب، وأستاذنا الذي رفض أن أذكر اسمه كاتب في أكثر من صحيفة سعودية منذ أكثر من 30 عاما، ولا يزال يثري الساحة الثقافية بكتاباته ومؤلفاته.
يقول: كنت في مهمة صغيرة لعدة أيام في مدينة جدة الحبيبة، ومن المفروض أن تنتهي المهمة خلال ستة أيام، ولكني أنهيتها في اليوم الرابع من وصولي، بعدها أخذت حقيبة سفري وتوجهت إلى مطار الملك عبد العزيز في جدة لعلي أجد طائرة متوجهة إلى الرياض لأكون على متنها، وبالفعل وجدت رحلة المتبقي على إقلاعها ساعة ونصف، فسألت موظف الخطوط السعودية: هل بالإمكان أن أجد مقعدا على هذه الرحلة المتوجهة إلى الرياض؟ فقال لي بعد أن أخذ تذكرتي: حاليا لا يوجد مقعد، ثم نظر لي وقال: أنا أشبه عليك، أنت الكاتب في صحيفة كذا؟ فقلت له: نعم، وفرحت جدا بأن هناك من يتابع ويقرأ مقالات ثقافية وأدبية من شبابنا، وفرحت أكثر بأنني سأجد مكانا على هذه الرحلة، ولكن خاب ظني وأعطاني الموظف التذكرة قائلا: انتظر نصف ساعة ممكن أحد يتأخر، وبينما أنا واقف لعدم وجود مقاعد من حولي، وإذا بشخص قصير القامة نوعا يرتدي البنطلون وفانيله يقف أمام كاونتر السفر، وإذا بالموظف يقوم من مكانه صارخا: أهلا بالكابتن (فلان)، أنا ظننت أن المذكور (طيار)، ولكن تبين أنه لاعب كرة قدم في أحد الأندية المشهورة، وإذا بعدد من موظفي الخطوط يلتفون حوله مرحبين به، والكل يسأله: ماذا يريد؟ فتبين أنه يريد نفس ما أنا أريد، وأنه يرغب في الذهاب إلى الرياض، ولكن ليس لديه حجز، وما هي إلا دقائق وبسرعة فائقة تم إيجاد مقعد له، وسار معه الجميع إلى صالة السفر وأنا في ذهول مما حولي. سألت الموظف: من يكون الأخ الذي احتفيتم به وأنا موجود قبله بأكثر من نصف ساعة؟ فقالي لي: ألا تعرف الكابتن اللاعب (فلان)؟ فقلت له: لا، وثقافتي الكروية تكاد تكون (صفر)، فتركني وانشغل بغيري، عند هذه النقطة تذكرت موضوعا سبق أن قرأته للكاتبة الصحفية الجزائرية أحلام مستغانمي.
تقول الكاتبة: وصلت ذات مرة إلى بيروت في بداية التسعينيات في توقيت وصول المطرب الشاب خالد الجزائري إلى النجومية العالمية، وكانت له أغنية واحدة قذفت به إلى المجد، وهذه الأغنية (دي دي واه) التي شغلت الناس ليلا ونهارا في ذلك الوقت، حيث تغنى هذه الأغنية في الأعراس والحفلات، وعلى إيقاعها تقدم عروض الأزياء، وكانت بيروت ترقص ليلا على أنغام هذه الأغنية. وتستطرد الكاتبة: كنت قادمة من باريس، وفي حوزتي مخطوط بعنوان (حوزة الجسد) من 400 صفحة، قضيت في كتابتها أربع سنوات، وتحتوي على شواهد للتاريخ عن النضال الجزائري ضد فرنسا، وشواهد إنقاذ لماضينا، وتعريف العالم العربي بأمجادنا وأوجاعنا، ولكني صدمت حينما أراد أحدهم التعرف علي قائلا: أنت من بلد الشاب خالد، ذلك الرجل الذي يضع قرطا في أذنه ويظهر في التلفزيون الفرنسي وبصحبته كلبه ولا جواب له عن أي سؤال سوى الضحك الغبي؟ وفجأة! يسألني السائل: ما معنى عبارة (دي دي واه)؟ لم يحزنني أن مطربا حقق من كلمتين في أغنية واحدة شهرة عالمية ومجدا ومكاسب مالية لم يحققها أي كاتب عربي نذر عمره للكلمة، بقدر ما أحزنني أنني جئت المشرق في الزمن الخاطئ، عندها سألت سائلي: ماذا تعرف عن الجزائر؟ هل تعرف الأمير عبد القادر أو أحمد بن بله أو جميلة بوحريد أو هواري بومدين والمليون شهيد؟ فهز رأسه: لا، لا أعلم عنهم شيئا، فحزنت أكثر وأكثر.