يا مجلس الشورى .. نشكو لك شركة المياه الوطنية

عندما تتصل هاتفيا بشركة المياه الوطنية سيجيبك مباشرة الرد الآلي ليسمعك نشيد إنشاد الشركة عن نفسها بأنها: شركة متخصصة في خدمات المياه والمعالجة البيئية وأنها تسعى إلى تحقيق رؤيتها في أن تكون شركة مياه رائدة تقدم خدماتها بمعايير عالمية.. وأن رسالتها تتمثل في تقديم خدمات متميزة وموثوق بها في مجال المياه والصرف الصحي بأسلوب اقتصادي، مع التركيز على كسب ثقة العملاء والموظفين والمجتمع (طبعا ــ حسب رأي الشركة ــ العملاء والموظفون ليسوا من المجتمع)!
يا لروعة هذا النشيد .. إنه يستحق فعلا التصفيق الحار، خصوصا والشركة تؤكد الريادة والتميز والمعايير العالمية وكسب الثقة .. غير أن المضحك المبكي أن نشيد شركة المياه الوطنية في واد وخدماتها في وديان أخرى، فنحن في عاصمتنا الموقرة وفي جدة وغيرهما مع "المياه" في محنة عمرها عشرات السنين، تخبطت فيها سابقا المصلحة، وما زال الداء العضال نفسه ساري المفعول مع شركة المياه الوطنية التي مضى عليها ردح من الزمن وهي مثابرة على تحدينا في كل صيف بالذات .. وتدفعنا رغما عنا كي نصطف في طوابير "الشيب" أو نلهث وراء سائقي صهاريج المياه التي تزدهر سوقهم السوداء في وضح النهار سنوياً مع موسم الحر والعطش.
الرد الآلي للشركة سيهذر عليك بنشيد إنشاده، لكن لن يفوته إطلاقا أن يحذرك من أن حديثك سيتم تسجيله وكأنك سترتكب إفكا ــ لا سمح الله ــ بل لكأنك لست أنت فعلا من يتمنى أن تصل شكواك المسجلة فورا للمسؤول الذي من المؤكد إنه لن يصغي لمئات الألوف، أو قل ملايين الأصوات التي تستجير بشركة المياه الوطنية ولا تجار!
إذاً .. لا يخدعنك أن شكواك المسجلة ستصل.. ثم لا يخدعنك أن سعادة موظف خدمة العملاء على الهاتف يملك نفعا لك أو ضرا بقدر ما سوف يزيدك حنقا وهو يطلب إليك: إما أن تتصل في الساعة الثامنة مساء كي يرفع بلاغك للجهة المختصة، أو أن يزودك برقم الفاكس لتبعث بشكواك للشركة وليبق فاكس شكواك في انتظار فزعة لا تأتي!
أيها السادة .. مسؤولو شركة المياه الوطنية .. ليس من الحصافة ولا "الريادة" أو "التميز" أو "المعايير العالمية" أو "كسب الثقة" التواري خلف الرد الآلي والتحذير بتسجيل المكالمة .. وليس برافع عنكم العذر الاتكال على معزوفة "اضغط على رقم ورقم ورقم ..." فليست المعضلة فوترة ومواعيد ضخ وطلب صهريج وشكاوى ورقية، بقدر ما أن المسألة أصبحت اليوم ــ مع الأسف ــ استفزازا لا يخلف وعيده بقطع المياه عن البيوت في كل صيف!
ستقولون لنا إنها نسبة الاستهلاك التي ترتفع بشكل كبير في الصيف، أو ستقولون لنا إنها أعمال إنشائية وحفريات في الشوارع وفي الطرق، أو ستقولون إنها الصيانة، أو ستقولون إنها أزمة فنية، أو ستقولون إنها كميات التغذية المحددة من المصدر، حسنا .. حسنا .. حسنا .. نقبل كل ذلك .. نقبله لعام .. لعامين، لكن ليس لأعوام طوال طوال يستفحل تعذيبها لنا كل صيف بالذات.. وإن شئتم الدقة فهذا يتجاوز الاستفزاز إلى التفريط بشأن معالجة ما هو جوهر الحياة وأساس التنمية، وتترتب على بقائه دون حل جذري مخاطر تفاقم الحالة مع تمدد العمران وتزايد السكان إلى ما لا تحمد عقباه .. أو الاضطرار إلى المواجهة بحل مكلف جدا على صعيد التمويل والإنشاء والحركة.
نحن .. أيها السادة مسؤولو شركة المياه الوطنية مواطنون لا نملك إمكانية إلقاء محاضرات الحل والربط فيما هو أصلا من اختصاصكم .. لكننا نملك حق أن نرفع صوتنا عاليا إزاء هذا الانحباس الإجرائي المزمن .. فأنتم من يفترض فيهم أن يتدبروا أمرنا مع المؤسسة العامة لتحلية المياه ومع مصلحة المياه ومع كل الجهات ذات العلاقة والتفكير بجسارة خارج الصندوق وتحقيق حلول ناجعة.. فالمعالجات المواربة بتوزيع الضخ هنا وهناك، أو دفع الناس إلى طوابير الصهاريج المعيب، أو الاحتجاج بعدم كفاية التغذية من المصدر .. إلخ، كلها معالجات أدركها الكساح وبلغت سن اليأس ولا بد من فعل اختراق لا يلجأ للمسكنات والكمادات، فالماء لا يجري حولنا في نهر أو يتراقص في بحيرات وغدران، ومياهنا السطحية شفطناها في غشامة الزراعة العشوائية .. وليس أمامنا إلا الاستمرار في استثمار نعمة الخالق علينا في بحرين يحتضنان هذا الوطن الغالي .. وقد حققنا إنجازا هائلا في تحلية المياه منهما ونسعى تقنيا لتخفيف تكلفة إنتاجها .. ومع أن كل ذلك في الحسبان فإنه حتما لا يعفي شركة المياه الوطنية من أن تبادر الآن .. الآن .. وليس غدا لكي تجعل نشيد إنشادها (الآلي) في التميز والمعايير العالمية والريادة وكسب الثقة حقيقة معاشة.. ويا مجلس الشورى نشكو لك شركة المياه الوطنية!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي