الرأي والشجاعة .. بميزان الذهب
قالت العرب في الماضي في حالة الحروب (الرأي قبل شجاعة الشجعان)، وهذا دليل على أهمية الرأي .. أما في حالة السلم وفي مجال الكتابة بالذات، فإن الرأي مع الشجاعة هو المطلوب .. فالرأي بلا شجاعة أدبية قد يميل إلى الضعف والتردد ويقدم مادة بلا طعم أو لون أو رائحة .. والشجاعة بلا رأي قد تتحول إلى محاولة بناء مجد شخصي وشهرة زائفة، وأستثني من ذلك الشجاعة في الاعتراف بالخطأ .. لكن خلطة (الرأي والشجاعة) تحتاج إلى ميزان دقيق يشبه ميزان الذهب المعروف بالدقة والحساسية .. وهو موجود عند القليل من الحكماء، وقد سمعنا من الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد، نحن أعضاء مجلس إدارة الجمعية السعودية لكتاب الرأي يوم الثلاثاء الماضي، كلاما يكتب بمداد الذهب حول أهمية الرأي وكتاب الرأي ما لهم وما عليهم .. لم يقل إنكم على حق دائما في كل ما تكتبون، لكنه أيضا لم يقر تصرف من يتجاهل ما نكتب من المسؤولين .. وهذا هو التوازن المطلوب والمعادلة التي تمكن الكاتب من خدمة وطنه .. كما أكد أن على الكاتب أن يتحرى الحقيقة وأن يبحث عن المعلومة الصحيحة، وأشرنا إلى أننا نعاني صعوبة الحصول على المعلومة وعدم تفاعل بعض المسؤولين مع ما نكتب، على عكس ما نلقاه منه من متابعة ومناقشة مباشرة حول بعض مقالاتنا التي تجد المتابعة الواعية من مسؤول بقامة سلمان بن عبد العزيز .. ليس من باب الرقابة أو الحد من ممارسة الكاتب للنقد الهادف البناء .. وإنما لتصحيح معلومة أو على الأقل إظهار التفاعل مع الكاتب ليستمر في طرح موضوعات تلامس مصلحة الوطن والمواطن.
وبعد هذا اللقاء مع ولي العهد أشعر بأن كاتب الرأي في بلادنا يعيش أفضل مرحلة بعد أن عانى في الماضي من حساسية في عالمنا العربي عموما من مجرد ذكر كلمة (الرأي)، وذبحت هذه الكلمة السامية أصلا ومعنى على مذبح قنوات تلفزيونية وإعلامية ترفع شعار احترام (الرأي) وتعمل ضده .. وتصادر حرية من يخالف توجه تلك القنوات في أن يقول رأيه دون أن يواجه بالتخوين والتجريح والاستخفاف!
ومرت علينا في الماضي مرحلة التفسير والتأويل التي تحول النقد لأداء مرفق خدمي إلى أمر لا يتقبله المسؤول .. ويعتبره نقدا شخصيا له، ولكن الكتاب صبروا وتحملوا حتى أصبح هامش الحرية يسمح لنا بأن نوجه النقد المبني على الحقيقة ونناقش دون خوف من التفسير أو الاتهام.
وأخيراً، وجود جمعية تحمل اسم (كتاب الرأي) دلالة كبيرة على أن هذه البلاد قيادة ومجتمعا تحترم الرأي وتقدر كاتب الرأي، وقد سمعنا هذا التقدير من مسؤول عرف بحسه الإعلامي وقدرته على تقييم المادة المنشورة واختيار العنوان المناسب لها ومعرفة ما بين سطورها .. إنه سلمان بن عبد العزيز المعروف بصداقته لأهل الفكر والقلم في بلادنا خاصة وفي العالم العربي عامة.