هل تنمو الجامعات نوعياً كما تنمو عددياً؟
أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أمراً بإنشاء ثلاث جامعات في كل من جدة وحفر الباطن وبيشة، وتأتي هذه الجامعات الثلاث لتضاف إلى عقد الجامعات التي سبقتها في التأسيس، وما من شك أن أي مرفق تعليمي يتم استحداثه يمثل إضافة قوية تسهم في التنمية البشرية التي تمثل جوهر نمو الأمم وتطورها، فبالتعليم تكون الصناعة، وبالتعليم ينمو الفكر، وبالتعليم تحافظ المجتمعات على هويتها، وبالتعليم تتنوع مصادر الاقتصاد، وبالتعليم توجد التقنية، وبالتعليم تشيد وتبنى الحضارة.
المحافظات الثلاث التي أمر الملك بإنشاء جامعات فيها تمثل نموذجاً لمناطق ومحافظات المملكة التي تمتد إليها جهود التنمية، فجدة بوابة مكة المكرمة بكثافتها السكانية والنمو المتسارع، تحتاج إلى مرفق تعليمي يضاف إلى جامعة الملك عبد العزيز، وجامعة الملك عبد الله في ثول ذات الطبيعة التقنية البحتة، أما حفر الباطن فالكثافة السكانية وموقعها الجغرافي البعيد عن مراكز الجامعات، إضافة إلى الطبيعة الجغرافية والتركيبة السكانية ذات التنوع في خلفياتها، وموقع المحافظة في تقاطعات طرق دولية أضفى عليها أنشطة اقتصادية تغلب عليها التجارة وتربية المواشي، وكذلك وجود قطاعات عسكرية جعلها مؤهلة لجامعة مستقلة. بيشة المحافظة الثالثة التي شملها القرار نظراً لموقعها الجغرافي البعيد عن مراكز الجامعات، وللكثافة السكانية، إضافة إلى ما اشتهرت به في زراعة النخيل وأنشطة سكانية أخرى.
في عام 1418هـ كلفت أنا ومجموعة من الزملاء من قبل وزارة التعليم العالي وذلك بناء على قرار لوزراء التربية والتعليم العالي لإجراء دراسة شاملة للتعليم العالي في دول مجلس التعاون الخليجي الست، واستهدفت الدراسة كل أنماط التعليم العالي من جامعات وكليات إعداد معلمين وكليات تقنية مع استشراف المستقبل للتعليم العالي من حيث نموه، وحاجة السوق في كل دولة مع الأخذ في الاعتبار النمو السكاني، وغير ذلك من الاعتبارات والمتغيرات ذات العلاقة بالتنبؤ واستشراف المستقبل في الحقل التربوي.
وبناء على البيانات والمعلومات التي حصلنا عليها من الجهات المعنية في دول المجلس خرجت الدراسة بنتائج ذات قيمة تنبُئية بشأن مخرجات المرحلة الثانوية، والطلب على التعليم العالي، وبمتابعتي لما يخص المملكة تبين لي دقة التنبؤ خلال السنوات العشر التي استهدفتها عملية التنبؤ، من حيث عدد خريجي المرحلة الثانوية، والطاقة الاستيعابية لمؤسسات التعليم العالي بأنماطها كافة.
لا أخفي فرحي واغتباطي بتأسيس أي مرفق تربوي وتعليمي في أي موقع في بلادي، وبهدف الاستفادة القصوى من مشاريعنا التربوية والتعليمية، وبما يخدم متطلبات التنمية، واحتياجات سوق العمل لا بد أن نسأل: هل هذه الجامعات الجديدة أُخذ في الاعتبار أن تتميز في برامجها، أم أنها ستكون صورة مطابقة لما هو قائم ليس في الأقسام والبرامج فحسب، بل في فلسفتها وإدارتها وأساليب تقديم خدماتها؟! وهل أُخذ في الاعتبار احتياجات سوق العمل المحلية لكل محافظة، مع احتياجات سوق العمل على مستوى المملكة؟
ما أعتقده أن أي برنامج تربوي لا بد له أن يأخذ في الاعتبار واقع البيئة والجمهور المستهدف والاحتياجات المحلية والوطنية، ولعل تجربة كليات المجتمع التي كانت أشبه ما تكون بالموضة حين تبنتها الجامعات قبل عشر سنوات حتى أصبحت الجامعات تتسابق على افتتاحها ببرنامجين الأول ينتهي بتخرج الطالب إلى سوق العمل، أما البرنامج الثاني فهو البرنامج التكميلي الذي يتيح للطالب إكمال درجة البكالوريوس في حال حصوله على معدل تراكمي، وللتاريخ أجيزت كليات المجتمع في جامعة الملك سعود في الفترة التي كنت عضواً في مجلس الجامعة إلا أنني وقتها طالبت عند مناقشة الموضوع بمزيد من الدراسة حتى لا تخرج الجامعة مزيدا ممن ينضم إلى طوابير العاطلين لكن قرارات المجالس تؤخذ عادة بالتصويت حتى لو شارك في التصويت من هو لا في العير ولا في النفير.