الطاقة .. مراجعة سنوية

تصدر شركة البترول البريطانية نشرة سنوية حول آفاق الطاقة عالميا حتى عام 2035، هذه النشرة الاستشرافية أصبحت أحد المصادر المعتبرة حول هذه الصناعة المهمة. مراجعة سريعة لهذه النشرة تساعد كل مهتم باقتصاديات الطاقة والتخطيط لها. حاول هذا العدد الإجابة عن ثلاثة أسئلة، الأول: هل لدى العالم مصادر طاقة كافية لتغطي الطلب المتنامي؟ وجاءت الإجابة بنعم، السؤال الثاني، هل ممكن تحقيق الطلب بدرجة عالية من الموثوقية والأمان؟ وجاءت الإجابة بأنه محتمل، والسؤال الثالث هل يمكن تحقيق مستوى الطلب بطريقة مستدامة؟ الإجابة ليس في هذه اللحظة.
تذكر النشرة أن أصعب عامل للاستقراء هو التغيير المناخي، كما أن هناك عوامل مؤثرة كثيرة وخاصة السياسية والتنظيمية تشريعيا وإداريا. تأخذ النشرة عام 2012 كقاعدة أولية لجدول التنبؤات المستقبلية.
تذكر النشرة عدة جوانب مهمة لا بد من ذكرها. الأولى، أن نسبة نمو الطلب للفترة تصل إلى 1.5 في المائة سنويا، مما سيزيد حجم الطلب بنسبة 41 في المائة حتى 2035. ثانيا، المصادر الأحفورية (النفط والغاز والفحم) سوف تشكل نحو 27 في المائة لكل واحد منها والبقية تأتي من المصادر غير الكربونية أو قليلة المحتوى الكربوني بنسبة 5 ــ 7 في المائة لكل واحد منها (الذرية والشمسية والرياح)، فبعد 25 سنة سوف تحافظ مصادر الطاقة الأحفورية على نحو 80 في المائة من مصادر الطاقة الأولية. ثالثا، استطاعت أمريكا تخفيض العوادم الكربونية بسبب توظيف الغاز الحجري لتوليد الكهرباء، بينما ازدادت هذه العوادم في ألمانيا وبريطانيا بسبب تزايد استيراد الفحم. فمثلا استطاعت أمريكا تخفيض العوادم في 2012 إلى أقل من مستوى 1994. ولذلك توصي النشرة بأن أحد السبل للتحكم في تزايد الكربون أن يكون هناك تشريع لتحديد سعر واحد للكربون، ولكن قياسا على التجارب الحديثة فإن الأمل ليس عاليا. رابعا، أن الدعم يشوه التسعير في دول كثيرة وخاصة المصدرة للطاقة، حيث إن الاستهلاك في تنام أكثر من قدراتها على زيادة إنتاج الطاقة. خامسا، أن كثافة الطاقة التي يقصد بها كمية الطاقة المستعملة لتوليد وحدة واحدة من الدخل القومي في تناقص في أغلب دول العالم (ليس في المملكة) بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والمحاولات الجادة لزيادة الكثافة ولكن نسبة انخفاضها بدأت في التباطؤ، ولعل المزعج أن نسبة تناقص الكربون أقل من نسبة تزايد كثافة الطاقة، وبالتالي هناك تحد مناخي مستمر. تذكر النشرة أن الحل الأقرب في المدى المتوسط هو استمرار حالة استبدال الفحم بالغاز لتقليل الانبعاثات الكربونية، وأخيرا أن أهم إشكالية هي مدى الاستدامة والأمان في نظام الطاقة في ظل تشوهات أسواق الطاقة من دعم إلى تشريعات إلى أحداث سياسية لا يمكن التنبؤ بها.
هناك بعد استراتيجي يبدأ من منهجية الفكر لدينا: علينا الخيار إما الاستمرار في توظيف مصادر الطاقة كوسيلة تمويلية أو توظيف الطاقة كطريق تنموي عميق؛ الخيار الثاني يتطلب ثلاث نواح عملية؛ الأولى، أن الفرصة لدينا لتعديل هيكل صناعة الطاقة ما زالت موجودة وما يدور حولها من إدارة اقتصادية ولكنها في تناقص واضح ومستمر، ولذلك علينا التعجيل بسياسات مختلفة، ثانيا علينا الوعي بالتغييرات السعرية النسبية terms of trade للنفط مقابل المصادر الأخرى ومدى تناسب ذلك مع متطلبات الميزانية، ثالثا، إذا استطاع العالم التحول إلى الغاز أو غيره من المصادر الأقل انبعاثات كربونية فربما يزيد الضغط على الدول المصدرة للنفط بيئيا وتشريعيا وبالتالي اقتصاديا. في الأخير نحن في صراع مع الآخر، إما أن يكون صراعا مع التقنية والجيولوجيا الخارجية التي لدينا دور محدود في اتجاهاتهما وإما السيطرة على مصيرنا الاقتصادي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي