استقلال «الغذاء والدواء» يحمي المجتمع في غذائه ودوائه

لسنوات كان موضوع الغذاء والدواء مشتتا بين جهات مختلفة، حتى صدر قرار مجلس الوزراء في عام 1428هـ، بإنشاء الهيئة العامة للغذاء والدواء، ونظرا لأهمية الهيئة وما تضطلع به من قضايا تهم الإنسان في غذائه ودوائه أو حتى في غذاء ودواء ما يرتبط به وبحياته، فقد نص نظام الهيئة على أن يتولى نائب رئيس مجلس الوزراء رئاسة مجلس إدارة الهيئة، وأن يتشكل المجلس من تسع وزارات مهمة ذات علاقة بالدواء والغذاء يمثلها الوزير نفسه، إضافة إلى أربعة من رجال الأعمال واثنين من المختصين ذوي العلاقة، إنه مجلس ضخم، ليس فقط بعدده، بل بالشخصيات التي فيه، إنه مجلس مصغر للوزراء في موضوع واحد، وهذا دلالة كبيرة على أهمية هذه القضية وما توليه الدولة تجاهها، وعلى الرغم من أن نظام الهيئة قد أعطى الرئيس حق تعيين نائب له يتولى رئاسة المجلس إلا أن ولي العهد الأمير سلمان، رغم كل المهام الكبرى التي يضطلع بها، إلا أنه قام بنفسه برئاسة أعمال مجلس إدارة الهيئة، وهذه إشارة كبيرة إلى ما توليه حكومة خادم الحرمين الشريفين لموضوع الغذاء والدواء.
من المهم أن نلفت النظر إلى أن نظام الهيئة قد أقر بأن تمارس أعمالها بشكل تجاري، ومع ذلك فإن الدولة تخصّص لها مبالغ من الميزانية العامة للدولة، وهذا دعم كبير تحظى به الهيئة، إضافة إلى ما تحصله من مبالغ كرسوم للتراخيص وكغرامات، وهذا التنوع في الموارد يضمن أمرين معا، الأول دعم الهيئة واستقلالها عن الشركات، فما يخصص لها من ميزانية الدولة يجعل الهيئة غير معتمدة في بقائها وفي صرف رواتب موظفيها على الشركات، مما قد يجعلها تخضع للضغوط مقابل الترخيص، فمنح الاستقلال المالي للهيئة يجعل الإدارة التنفيذية بها تقاوم كل الضغوط في الفحص والرقابة.
وهكذا فإن الدولة قد منحت الهيئة استقلالا واسع النطاق، من جانبها الإداري والمالي، بحيث تتمكن من إتمام مهامها الرقابية بالشكل الذي يحمي المجتمع من تسرب منتجات غذائية ودوائية أو منتجات صحية أخرى قد تكون ضارة، ولا أحد يجهل مجموعات الضغط التي تستخدمها الشركات العالمية من أجل السماح لمنتجاتها بالدخول إلى الأسواق حتى لو كانت ذات أضرار أو لا تتناسب مع عادات المجتمع وشريعته. فمجلس إدارة بهذا الحجم وبهذا المستوى العالي يحمي الإدارة التنفيذية من أي ضغوط مهما كان مصدرها، وهي نقطة في غاية الأهمية وتوضح بجلاء لماذا لم يكتفِ ولي العهد بالإنابة عنه في رئاسة مجلس الإدارة وهو المجلس الذي يضم عددا كبيرا من كبار الوزراء، بل قام نفسه برئاسة المجلس ليعطي رسالة صريحة جدا وبكل المعاني التي تمت الإشارة إليها، بل حتى أنه بهذا يحمي الهيئة من الضغوط أو تداخل المصالح من قِبَل وزارات أخرى.
لا شك إذاً أن الهيئة تتمتع بقوة تنظيمية ومالية كبيرة جدا، ومن المهم أن تتناسب إنجازاتها مع هذا المستوى من الاهتمام الذي توليه الدولة وقادتها لهذا الموضوع، وللحق فإن الهيئة تقوم بدورها بفعالية كبيرة، ولا ينقصها الشجاعة في التعامل مع أي منتج لأي شركة مهما كانت إذا ثبت أنه مخل بالمواصفات والمقاييس، لكن بقيت نقطة مثارا للجدل وهي مستوى المختبرات التي لدى الهيئة، حيث إن المختبرات لم تزل بحاجة إلى تطوير بما يتناسب مع مستوى الاستقلال المنشود، فالهيئة لم تزل في بعض الأحيان ترتكز في أحكامها على بعض المنتجات لما يظهر من نتائج في دول أخرى من العالم، وبينما يتفاعل الإعلام بسرعة مع الأخبار العالمية تتأخر الهيئة في الرد نظامًا لعدم توافر مختبرات تتناسب مع الموضوع. لا بد إذا من استكمال منظومة الأعمال التي تمنح الهيئة استقلالها الفني وقد منحها النظام كل هذا استقلال الإداري والمالي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي