الساعة التافهة
سأل الطيار البرازيلي ألبرتو سانتوس عام 1904 صديقه لويس صاحب متجر المجوهرات والحلي أن يساعده. طلب منه أن يصنع له ساعة يد على معصمه بدلاً من ساعة الجيب، التي يفقدها دائماً خلال رحلاته المستمرة. استجاب لويس لطلب سانتوس شريطة ألا يخبر أحداً أن متجره هو الذي قام بصنعها؛ لأنه يعتقد أن صناعة الساعات اليدوية تسيء إلى اسمه والمهنة، التي توارثها كابراً عن كابر.
المفاجأة أن سانتوس، أحد الروّاد في الطيران البرازيلي ووريث عائلة ثرية من منتجي البن، تلقى حشوداً من الأسئلة عن مصدر الساعة. أصبحت عادة يومية أن يرحب به الناس ثم يتبعونه بسؤال عن ساعته ذات الإطار المربع والعقارب الزرقاء الداكنة والسوار الفضي. أخفى سانتوس المصدر في جوفه تلبية لرغبة صديقه لويس وتقديراً لما قدّمه له وصداقتهما.
لكن تسرّب الخبر بأن متجر صديقه لويس للمجوهرات هو الذي قام بصناعتها بعد أن أفشى أحد أصدقاء سانتوس الأمر إلى صديقه المقرّب، الذي أذاع النبأ وتناقله الركبان. حاول لويس أن يتبرّأ من الساعة دون جدوى. لقد سبق السيف العذل.
تردّد على متجر لويس الكبير والصغير؛ لاقتناء ساعة كالتي تلتف حول معصم سانتوس. رفض لويس مراراً طلبات الزبائن وعروضهم الباهظة. صمد لويس طويلاً. كان يخشى أن يطارده كابوس التلاعب بإرث الآباء والأجداد الذين صنعوا اسماً ذهبياً في فرنسا قد يشوّهه بيعه لساعات يدوية. بعد سنوات مريرة عاشها لويس في متجره بسبب انصراف النساء عن شراء المجوهرات بالكثافة المعتادة، اضطر إلى أن يرضخ لإلحاح الزبائن ويصنع ويبيع ساعة سانتوس.
رفعت مبيعات الساعة اليدوية مبيعات المتجر وأعادت الحياة إليه بعد أن كاد يغلق أبوابه، بل لم يعد متجر لويس كارتير وشقيقيه بيير وجاك مطلوباً في فرنسا فحسب وإنما في أوروبا بأسرها.
لقد ذاع صيت "كارتير" بسبب هذه الساعة التي أعادت تشكيل أسلوب متاجر كارتير فاهتمت أكثر بالإكسسوارات التي منحتها بُعداً وانتشاراً عالمياً حتى اللحظة. فأصبحت نظارات وساعات وجلديات كارتير علامة تجارية دولية ورمزاً للأناقة المعاصرة.
تثبت لنا الأيام يوماً بعد يوم أن الكثير من الأشياء التي نقلل من قيمتها وأثرها هي التي تصنع سعادتنا وتغير خريطة مستقبلنا. يتكرّر دائما أن الأشياء التي نمر بجوارها ونحذر من طرق أبوابها تخبئ لنا حيوات أجمل. لا يوجد أسوأ من تحقير المهن والصناعات والهوايات. لا يوجد شيء سيئ في المطلق، نحن من نجعله سيئاً بطريقة استخدامنا له.
لا تقلع عن شيء تجيده. انصرف عن كل ما تعيده وتزيده دون أن تشعر بسعادة وإثارة جديدة.