الحملة على شركات الطيران الخليجية
تشن شركة الطيران الألمانية "لوفتهانزا"، منذ أكثر من عامين حملة ضد شركات الطيران الخليجية، وتحديداً شركتَي "الإمارات" والخطوط القطرية. وفي وقت لاحق، شملت الحملة شركة طيران "الاتحاد"، خصوصاً في أعقاب المفاوضات التي لا تزال جارية حالياً لاستحواذ هذه الشركة على الخطوط الجوية الإيطالية "أليطاليا". والحق أن هناك شركات طيران أوروبية تشارك في الحملة المذكورة، ولكن بصوت أقل انخفاضاً، بما في ذلك شركة الطيران الفرنسية. ويعتبر قطاع الطيران الأوروبي، أن التنافس مع شركات الطيران الخليجية ليس عادلاً، وأنه لا يخضع للمعايير التنافسية الشفافة، من جهة أن هذه الشركات مدعومة في الواقع من الحكومات مباشرة. وبالتالي يسعى هذا القطاع إلى تعديل ما في حراك الخليجيين على الساحة الأوروبية.
ويبدو واضحاً، أن السلطات الأوروبية المختصّة لا تعتزم القيام بخطوات حاسمة في هذا الخصوص، وإلا لكانت قد تجاوبت ولو بصورة طفيفة مع الحملة الراهنة. غير أن ذلك لا يعني بقاء السلطات الأوروبية بلا حراك، خصوصاً إذا ما أخذت الحملة أبعاداً إجرائية واضحة، ضمن مؤسسات الاتحاد الأوروبية، ولا سيما تلك المتعلقة بالأفضلية للقطاعات الأوروبية. والذي يزيد عمق المشكلة، أن الطرف الأضعف (حالياً على الأقل) ليس إلا شركات الطيران الأوروبية العملاقة، التي غرست نفسها على مدى سنوات طويلة في قطاع الطيران العالمي. وتواجه منذ ما قبل الأزمة الاقتصادية العالمية أزمات متعددة، بعضها يتعلق بخسائر كبيرة للغاية، وبعضها الآخر بتراجع الأرباح. في حين لم تصل عمليات الاندماج فيما بينها إلى مستويات مرضية، خصوصاً في ظل وجود ما يعرف بـ "السماوات المفتوحة" ضمن نطاق الاتحاد الأوروبي.
تشهد شركات الطيران الخليجية نمواً هائلاً انطلق في الواقع في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية، مقابل ركود أو حراك أقل للشركات الأوروبية. وإلى جانب الدعم الحكومي لقطاع الطيران الخليجي، اتبع القطاع معايير متطورة للغاية، وضعته في قمة حالة الجذب المطلوبة لأي قطاع يسعى إلى النمو والتوسع. وعلى الرغم من وجود مخاطر طبيعية في عملية التوسع، إلا أن الاحتياطي المالي لشركات الخليج يبقى حاضراً وقت اللزوم، وهو ما يدفعها إلى المغامرة. ومثل هذا الوضع، لا يمكن أن يكون مقبولاً لدى الشركات الأوروبية، التي تواجه الكثير من المصاعب، بما في ذلك الضرائب المتزايدة على عمليات التشغيل والوقود، والرسوم الواجبة عليها لمطارات أوروبية تتقاضى أعلى نسبة منها مقارنة بغيرها من مطارات العالم الأخرى.
وفي الوقت الذي تقوم فيه شركات الطيران الأوروبية (وفي مقدمتها "لوفتهانزا") بتقليص إنفاقها وتسريح أعداد كبيرة من موظفيها، تقوم شركات الطيران الخليجية بخطوات معاكسة تماماً، أدت إلى توسع كبير وإلى ارتفاع متسارع في عدد وجهاتها، بما في ذلك وجهات لم يفكر فيها الأوروبيون على الإطلاق. وهذا التوسع لم يشمل وجهات أوروبية أو غير أوروبية، بل ضم أيضاً قيام شركات طيران خليجية منخفضة التكلفة، تقوم بدور محوري بالفعل في قطاع النقل. والحق، أن الأزمات التي تواجهها شركات الطيران الأوروبية، لا تتعلق بـ "تنافسية غير عادلة" مع نظيرتها الخليجية. هناك الكثير من المعوقات، بما في ذلك حظر حركة الطيران في أغلبية المناطق الأوروبية لساعات عدة في اليوم. يضاف إلى ذلك الارتفاع الكبير في تكاليف التشغيل.
ربما تنجح في المستقبل القريب قوى الضغط الأوروبية، في إيصال الحملة ضد شركات الطيران الخليجية، إلى مستوى أعلى في مؤسسات الاتحاد الأوروبي. وعلى الخليجيين أن يكونوا مستعدين لمثل هذا الأمر. فعندما يصل إلى مستوى المصالح الوطنية، تكون الأمور أكثر تعقيداً وصعوبة. وتصبح مفتوحة على كل الاحتمالات.