السعودية.. لا وقت للمداراة الدبلوماسية

إنها من القمم العربية التي تعقد، في ظل مشهد عربي معقد جداً، فيه من المشكلات الطارئة ما يوازي المشكلات التقليدية التي باتت مستدامة منذ عقود. هناك استحقاقات، وهناك أيضاً عدم تجاوب من جانب أطراف عربية عدة. ولعل الخطر الأكبر حالياً على العالم العربي، أن بعض الأطراف لا تفرق بين ما هو محلي وآخر إقليمي استراتيجي. وهذه من أسوأ الحالات التي يعيشها تجمع إقليمي كبير، كالتجمع العربي. والذي يرفع من حجم المساوئ، أن استهداف المنطقة العربية، أصبح استراتيجية معلنة، تمضي إلى الأمام بكل الوسائل المتاحة. وهذه الاستراتيجية لا تقل خطورة عن الاستراتيجية التاريخية التي تستهدف فلسطين المحتلة منذ أكثر من 70 عاماً. الحاصل، أن قضايا محورية أضيفت إلى المشهد العربي قسراً، إلى جانب قضيته المحورية المعروفة.
قمة الكويت تنعقد والصف الخليجي نفسه متوتر. فقد كانت دول الخليج العربية مثالاً يحتذى في استقرار سياساتها، وفي توافق لم يحدث في التاريخ العربي الحديث. الآن هناك مشكلة تنذر بمشكلات متوالدة منها على الساحة الخليجية، تتمثل في الخلاف مع قطر على مفهوم الشؤون الداخلية وروابطها الإقليمية. وعلى الجانب الآخر هناك المأساة السورية المتعاظمة، التي أسهم فيها العالم أجمع دون استثناء، بتقاعس مروع يدفع السوريون ضرائبه الهائلة. وهناك أيضاً التحولات المفهومة في دول الربيع العربي، إلى جانب طبعاً الهم الفلسطيني التاريخي. وكل قضية من هذه القضايا لها روابط مع الأخرى. بل لها تأثيرات مباشرة تزيد من التعقيدات. وقمة الكويت تواجه هذه الحقائق، مع غياب الحد الأدنى من التعاون بين الدول العربية.
كانت كلمة الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، واقعية وصريحة. الحالة العامة الراهنة على الساحة العربية، لم تعد تحتمل "المداراة" الدبلوماسية، كما أن القضايا الملحة لا تنتظر، بل إن وضعها في حالة انتظار، يعني ببساطة توالد مصاعب ومعوقات ومشكلات وإخفاقات، يضاف إليها ضحايا أبرياء هنا وهناك. لا يفيد العالم العربي حالياً ــ كما قال الأمير سلمان ــ إلا الإرادة القوية والعزيمة الصلبة الصادقة، إضافة طبعاً إلى التنسيق الجماعي المتواصل. التحديات لم تعد كبيرة، بل خطيرة أيضاً، وأي إخفاق في مواجهتها سيقضي على أي إنجاز تحقق أو يمكن أن يتحقق. لا مجال أمام العالم العربي سوى التعاون المتواصل، ومن دونه ستتحقق إنجازات ولكن من ناحية الجهات التي تستهدف المنطقة، سواء على شكل دول أو تنظيمات ضالة وتخريبية.
ستبقى القضية الفلسطينية المحور الرئيس للعالم العربي أجمع، ولكنها ستظل قضية بلا حل مرض، إذا ما أخفق العرب في مواجهات القضايا المتوالدة الأخرى. بعضها يسيطر على المشهدين الإقليمي والدولي حالياً، وبعضها الآخر قابل للانفجار في أي لحظة. هناك إشكالية لا بد من حلها قبل التركيز على ملفات تاريخية أو آنية، تكمن في المفهوم السياسي والعملي للتطورات التي تشهدها المنطقة كلها. فالمصالح الوطنية المحلية، هي جزء أصيل من المصالح الإقليمية العربية. وإذا لم يقتنع بعض العالم العربي بذلك، فإن كل الحلول ستواجه مصاعب وتحديات بلا حدود. والإشكالية تحل بالفعل، بتنسيق وتعاون يتطلبه المصير العربي. وهذا المصير لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون محصوراً في شأن داخلي خاص، وفي مفهوم محلي ملتبس.
إن القوى التي تستهدف الوطن العربي لا تنتظر انتهاء جدل أو خلاف عربي، بل على العكس تماماً، إنها تحقق الأهداف من خلال هذا الجدل وذاك الخلاف. إن استراتيجية هذه القوى تقوم أساساً على إطالة أمد الخلاف بين العرب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي