السياسة الأمريكية: هل وصلنا إلى توافق جديد؟
تأتي زيارة الرئيس أوباما إلى المملكة في ظل تحولات جديدة في الخريطة الجيوستراتيجية للمنطقة. فبعد أن بدأت السياسة الأمريكية مع إيران وكأنها مقايضة بين السلاح الذري والتواجد الإيراني في المنطقة العربية متمثلا بقوة في الدور الإيراني في حرب الأسد ضد الأغلبية في سورية ودور حزب الله الاستثنائي في لبنان إلى أن وصل من الثقة في تحديد مسار الحرب في سورية وتحكم إيران في أطراف عراقية "رسمية"، كل هذا تحت مظلة روسيا على المستوى الأعلى. جاء الاستفزاز الروسي للغرب في أوكرانيا على خلفية تآكل مصداقية أمريكا في معادلة المنطقة. قبل أحداث القرم بدأت دول الخليج ومنها المملكة بإعادة التموضع من خلال توزيع الأدوار بين الدول والأشخاص وتوسيع دائرة الحلفاء وإعلان صريح وواضح حول جميع التنظيمات الإرهابية الرسمية وغير الرسمية التي تقاتل إلى جانب أو ضد النظام السوري بغض النظر عن التوزيع الطائفي. تكالبت قصور السياسات الأمريكية إلى حد إعادة النظر وإعادة التموضع الى سياسية اكثر توازن وأكثر عمق واقعيا في التعاطي مع الشأن السوري. في ظل هذا التمحور هناك إرهاصات تدل على اتخاذ أمريكا سياسة أكثر واقعية. من المبكر الحكم، ولكن ما صرح به بيرنز مساعد وزير الخارجية في لجنة استماع في الكونجرس واستياء، واضح من فشل مؤتمر جنيف، وتصريحات الإبراهيمي حول دور الأسد في الانتخابات المقبلة، وتغلب روسيا في القرم، واستمرار إيران في السياسة التسلطية على المنطقة، تدل مجتمعة على أن هناك ملامح تغيير في الأفق.
أتت قدرة الأسد على البقاء وحتى تحقيق نجاحات على الأرض لسببين، الأول مدى وضوح داعمي الأسد قولا وفعلا، وثانيا بسبب الخلافات بين أجزاء المقاومة وقلة الدعم وتخاذل الداعمين. لعل أبرزها قول أوباما إنه ليس للأسد أي دور في الحكومة المقبلة، ومن ثم الخط الأحمر حينما استعمل الأسد الكيماوي ضد المدنيين في تراجع مخجل أخلاقيا واستراتيجيا للسياسة الأمريكية. الخوف المبرر وغير المبرر من التنظيمات الجهادية على خلفيات تاريخية جعل المحلل وحتى صانع السياسة الأمريكية في توجس مما ساعد على نمو هذه التنظيمات بسبب التردد الأمريكي في دعم قوى الاعتدال السوري التي تمثل غالبية المعارضة.
تميزت السياسة الأمريكية بانفصام شخصية في تعاملها مع توازن القوى في المنطقة. من ملامح هذا الانفصام الاعتراف بمدى طائفية نظام المالكي ثم دعمه سياسيا وعسكريا حتى بعد هزيمته في الانتخابات والتغاضي عن دعمه للأسد، عدم الربط بين سياسات إيران التوسعية والسلاح الذري وأخيرا قبول الأصولية الشيعية ضمنا واتخاذ موقف حاسم ضد الأصولية السنية. هذا انفصام جعل الأغلبية العربية في حيرة بين أجندا تحاك من خلفهم أو تنازل أخلاقي أو جهل بحساسية التوازنات السياسية في المنطقة، ما يقول الأمريكيون من تعب أمريكا من السياسات التداخلية وعدم رغبة الرأي العام في أي تورط ينتهي بعلاج أسوأ من ما سبقه مفهوم في مستوى معين ولكنه عمليا غير ممكن وأخلاقيا غير مقبول عدا أنه سيقود إلى إشكالية أعمق مما لا شك أنها ستقود أمريكا إلى تدخل أكثر تعقيدا. الواضح أن أمريكا تعيش تعرجات معقدة. في ظل هذه التعرجات لابد من تواجد حضور لدعم المقاومة السورية.
تاريخيا تتأرجح السياسة الأمريكية بين الواقعية والانعزالية، فبعد أن جرب أوباما السياسية الانعزالية وبدأت وكأنها معادلة لن تأتي بالسلام لأحد، فقد حان الوقت لتدخل من نوع وقائي واقعي. الحل في دعم المعارضة السورية بأسلحة كافية تجبر الأسد على التنازل عن الانتخابات القادمة والمفاوضات الجادة مع المعارضة للحفاظ على ما تبقى من الدولة السورية وهزيمته. إذا رفض توافق كفيل بالتخلص من تسلط الأقلية. إيران لاعب أساسي قادر على الربط بين السلاح الذري والمتاجرة بالسياسات الواقعية، ولكن دعم المعارضة السورية سيجبر إيران على إعادة حساباتها الداخلية قبل الخارجية، فنحو 20 مليون إيراني يعيشون على 200 دولار في الشهر وأقل. حان الوقت للسياسة الأمريكية أن تكون أكثر واقعية والإنصات لمن يعرف المنطقة عن قرب خاصة أن الرؤية السعودية أثبتت بعد نظر خارجيا.