«مسيار» .. و18 ألف رجل «عانس»

بفعل البطالة "المقنّعة" يقضي أغلبية موظفي الدولة، خاصة في القطاعات غير المواجهة للجمهور، 80 في المائة من وقت عملهم اليومي في نقاشات رياضية وسياسية، وأحياناً يعرجون صوب قضايا اجتماعية. ولعل أخطر تلك النقاشات -كما نقل لي عدد من الزملاء- هو الحديث عن محاسن زواج "المسيار" وقدرته على تجديد الشباب و"دحر" المشيب.
في زواج المسيار -كما يردّد المروّجون له- ميزة تدغدغ القلب ألا وهي "السرية" التي من شأنها الحفاظ على الأمن القومي لأسرة الراغب في الزواج، بل يزيد بعضهم أن "المسيار" يمكن ممارسته في وضح النهار من خلال "فركة" لساعتين أو ثلاث من العمل؛ ما يعني عودة "المسير" إلى منزله في الوقت المحدّد، وعدم تقليص عدد ساعات وجوده بين أفراد أسرته، وهو ما يجعله بعيداً كل البُعد عن الشك والريبة.
الغريب والمريب في زواج المسيار هي تلك "السرية" التي يروّج لها ويمجّدها الداعون له، فهو زواج نسمع به ولا نراه، ولم يعترف لي صديق واحد طوال حياتي بممارسته، وهو ما يخالف "الإشهار" في الزواج الذي اختلف العلماء حوله، فمنهم مَن ذهب إلى وجوبه، ومنهم مَن ذهب إلى سنيته واستحبابه، ورغم الخلاف إلا أنهم أجمعوا على أن الأولى في كل حالة "زواج" هو الإشهار والإعلان حتى تدفع الريبة عن الأسرة المسلمة.
أيضاً من غرائب هذا الزواج هو الهدف والغاية منه -كما يردد الداعون له- فهم يقولون إن الغاية منه "سامية" وتضحية يقوم بها الرجل "الفحل" للحد من ظاهرة "العنوسة" بين أوساط النساء.. والغرابة تكمن في مساعي "الذكر" للقضاء على أمر غير موجود في الأساس ألا وهو "العنوسة"، فكيف لها أن تنتشر في مجتمع نساؤه أقل من رجاله، فوفق آخر إحصاء رسمي لعدد السكان في السعودية شكلت المرأة ما نسبته 49.1 من المجتمع في حين شكل الرجال النسبة المتبقية وهي 50.9 في المائة، أي أنه يوجد لدينا رجل واحد من بين كل مائة رجل لن يجد سعودية تتزوجه، ولأن عدد سكان السعودية يتجاوز 18 مليون نسمة، فبالتالي سيكون لدينا 18 ألف رجل "عانس".
خطر "العنوسة" يهدّد الرجال لا النساء، وهو ما يتطلب من المروّجين لزواج "المسيار" البحث عن أهداف أخرى مقنعة؛ لأن الحديث عن تضحية الرجل ومساعيه للقضاء على "العنوسة" لم يعد مبرراً في ظل تقارير الإحصاء الأخيرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي