رواد الأعمال بين الطموح والجموح ..

لا أعلم ماذا أسمي شابا في أوائل الثلاثينيات قابلته يدعي أنه من رواد الأعمال، فقد اختلطت المسميات في ذهني بعد أن شرح لي فكره الاستثماري ومشاريعه وشركاته وكيف سيشغلها ويحقق الأرباح فتارة أقول طموح، وأخرى أقول جريء، وثالثة أقول متهور، ورابعة أقول طماع، وخامسة أقول مشتت الذهن وهكذا لم أستقر على رأي، وقلت في نفسي لعلي أكون من جيل سابق يميل للاستقرار والمضمون ولا يحب المخاطرة إلا أنه وفي اللحظة نفسها ومن خلال المرونة التي أتمتع بها بالنظر لكل ما هو جديد أظن أن الرجل الشاب يعرض نفسه لدرجة عالية من المخاطر غير المحسوبة وأنه يخلط بين مفهوم المخاطرة الشجاعة والتهور، والطمع والطموح، وبين التركيز والتشتت.لكي أكون منصفاً راجعت كل ما أعرفه عن ريادة الأعمال والتي انتقلت لنا كمفهوم وكتطبيق من الدول الغربية حيث ينحدر هذا المصطلح من اللغة الفرنسية وأول من عرّفه هو الاقتصادي الآيرلندي - الفرنسي الأصل ريتشارد كانتيلون حيث يطلق مصطلح رائد أعمال على الشخص الراغب في إنشاء مشروع جديد أو البدء بشركة جديدة ويرضى بتحمل مخاطر هذا المشروع الجديد ونتائجه. وكما أفهم فإن ريادة الأعمال ليست شيئا سهلا حيث إن معظم الشركات الجديدة خصوصا تلك غير المنظمة تفشل ولذلك ولتجاوز معضلة عدم قدرة أصحاب الأفكار على تنظيم مبادراتهم مالياً وتسويقياً وقانونياً استحدثت وأطلقت الكثير من المبادرات لحضانة وإرشاد ودعم رواد الأعمال لحين اجتيازهم مراحل الخطر والفشل المحتملة ومن ذلك في بلادنا صندوق المئوية ومركز أرامكو السعودية لريادة الأعمال "واعد".
ولكي أكون واقعياً قلت دعني أركز على أن الطموح هو الدافع الأكبر الذي يحرك رواد الأعمال نحو تطوير أفكارهم وتطبيقها وتحقيق الاستقلالية والإنجاز وأن شدتهم وصلابتهم وثقتهم بأنفسهم وأفكارهم وعزيمتهم تقف وراء إقبالهم على المخاطرة المحسوبة أو غير المحسوبة، وإذا كان الأمر كذلك فدعني أكون راصداً ومراقباً متفائلاً ومستمعاً جيداً يغلب احتمالية النجاح على الفشل فيما يطرح ذلك أن المعطيات التي أرى من خلالها الفشل قد تكون تغيرت دون علمي وأصبحت معطيات نجاح، ومن هذا المنطلق عدت لأسمع هذا الشاب من جديد.
لا أخفيكم أن سجع الطموح والجموح قفزا في رأسي فالشاب الطموح يخشى عليه من الجموح وهنا أذكر طموح قائد سفينة تايتانك العملاقة الذي أراد أن يقطع المسافة المحددة بسرعة قياسية فارتطم بجبل جليدي فجمحت سفينته وتحطمت ومات معظم من فيها، ولا أخفيكم أيضاً أن أرى هذا الشاب الطموح و"الطموع" في الوقت نفسه إن جاز التعبير أقرب للجنوح منه للنجاح خصوصاً أنه قال لي "إن الطمع في رأس الرجاجيل منذ القدم" عندما قلت له إني أراك طامعاً أكثر من كونك طموحاً وما أحزنني أنه يقوي نفسه ويدعمها بأمل كبير وبعاطفة جياشة نحو تحقيق غاياته الطموحة أو الطموعة بتضخيم المعلومات التي يود وتهوين المعلومات التي لا يرغب فيها، وبالتالي ليس لديه رؤية شاملة واضحة لكيفية تحقيق غاياته، بل إن الغموض سيد الموقف.
هذا الشاب وأمثاله كثير خسروا الكثير بما في ذلك وظائفهم وأموالهم لكونهم بادروا بأعمالهم خارج الحاضنات وبعيداً عن المؤسسات الإرشادية التي تخفف المخاطر وترفع من جودة القرارات وتهدئ من التهور والرعونة والغيبوبة الاقتصادية وانطلقوا لتطبيق أفكارهم برؤى جزئية وغامضة وبصلابة دون أي مرونة وبدرجات مخاطرة غير محسوبة ودون الاسترشاد بتجارب الآخرين التي فشلت في ظروف مشابهة حيث عجز معظمها عن تلبية احتياجات العملاء المستهدفين، كما فشلت في إدارة التدفقات النقدية بكفاءة تمنع من حدوث فجوة سلبية تدمر المشروع وإن كان المشروع واعداً. بكل تأكيد فشل هؤلاء أصبح محبطا لغيرهم من الشباب دون أن ينظروا في أسباب فشلهم وإمكانية تجاوزها.
ما هو محزن بالنسبة لي أيضاً تحرك الكثير من الشباب المتهور وليس الشجاع والطموع وليس الطموح كما يبدو لي يسعون لإقناع الآخرين بالانضمام إليهم والمساعدة وتحمل المخاطر رغم عدم وضوح درجتها وذلك عبر التدليس في المعلومات لإقناع أنفسهم أولاً وإقناع الآخرين ثانياً بمشاركتهم في مبادراتهم التي هي أقرب للجموح منها للنجاح، بل إن الأمر أسوأ من ذلك حيث يريد بعض من رواد الأعمال هؤلاء أن يلعب مهاما استشارية في مجالات متعددة بدعوى أنه ضليع بكل ذلك بما شارك فيه من دورات تدريبية سابقة دون مراعاة أن الاستشاري لا بد أن يكون مر بتجارب متعددة وخبرات سابقة ليصبح مستشاراً أو استشارياً كما هو الحال في الطب والقضاء والمحاماة والإدارة والمحاسبة والتسويق وغيرها.
رغم ما اطلعت عليه من نتائج دراسات طبيعة رواد الأعمال في الدول الغربية إلا أنني على ثقة بأن معظم رواد الأعمال يعانون مشكلة رئيسة وهي كونهم أصحاب أفكار أو مهنيين بمعنى أنهم يفكرون بالجانب الفني أو التشغيلي دائما وينقصهم الشيء الكثير في فهم الجانبين التسويقي والمالي وهو ما يخالف متطلبات نجاح أي عمل تجاري أو صناعي حيث تجب الموازنة بين المسارات الثلاثة الفنية والتسويقية والمالية، وأعتقد أن عدم الموازنة هذه هي سبب فشل الكثير من المبادرات.
ختاماً أتمنى من كل الجهات المعنية بمبادرات الأعمال أن تقوم بحملات توعوية مستمرة تستخدم كل الوسائل والأنشطة الاتصالية للتواصل مع كل الشباب المبادرين بالأعمال حالياً أو الراغبين في ذلك مستقبلاً لتوعيتهم وتزويدهم بأسباب النجاح والفشل في اقتناص الفرص وتطوير الأفكار لكي يكون شبابنا أقرب لتحقيق طموحه من جموحه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي