استقلال المراجع الداخلي رؤية جديدة من المجلس العالمي

أكتب لكم هذه المرة من أروقة المجلس العالمي للمراجعة الداخلية، الذي يعقد أعماله في دبي، وفي كل مرة يأتي الحديث عن المراجع الداخلي سواء في القطاع الحكومي أو الخاص أو ذلك القطاع شبه الحكومي، فإن أول قضية يدور حولها النقاش هي قضية الاستقلال، في مقال سابق حملت مجلس الشورى المسؤولية عن إعفاء المراجع الداخلي من قبل الجهاز التنفيذي بعد التجربة المريرة في مدينة الملك عبد الله الطبية في مكة المكرمة، وكنت أطالب بأن يصدر تشريع واضح بهذا الخصوص، كنت أؤيد موضوع الاستقلال عند مستواه المثالي، لكن الحقيقة أن الموضوع ليس بهذه المثالية المطلقة خاصة في مهنة المراجعة الداخلية. ولعل السبب في مثاليتي أنني تدربت وتعلمت كمراجع خارجي، وعندما انتقلت إلى مهنة المراجعة الداخلية كنت مشبعا بتلك المثل، لكن عالم المراجعة الداخلية مختلف نوعا ما، ونعم الاستقلال مهم، ونعم لا مناص منه، لكن موضوع الاستقلال عند الداخليين غيره تماما عند الخارجيين، هذه الحقيقة آمنت بها أخيرا عندما حضرت أعمال المجلس العالمي للمراجعة الداخلية، وناقشت الموضوع مع مختلف المراجعين الداخليين من شتى بقاع الأرض من إفريقيا الجنوبية حتى شمالها مرورا بوسطها ومن أقصى آسيا حتى الغرب الأمريكي، الجميع متفق على أن الاستقلال مهم، لكنه ليس الأهم، الاستقلال الوظيفي شيء والاستقلال الذهني أمر آخر، تماما، ويمكن في المراجعة الداخلية الفصل بينهما.
وقبل أن أناقش المستجدات العالمية في موضوع الاستقلال، يجب أن أعترف بأن هناك الكثير ممن قابلتهم من الأكاديميين والمهنيين، ومنهم أعضاء وأصدقاء في مجلس الشورى كانوا يرون موضوع الاستقلال بطريقة مختلفة تماما عني، وكنت أخالفهم الرأي نوعا، لكن التغيرات الدولية تسير في ركابهم ولهذا أعترف -مرة أخرى- بأنني كنت نوعا ما مثاليا في هذا الموضع أكثر مما يجب. والقضية عندي ليست اعتزازا بالرأي بقدر البحث عما هو الصواب، خاصة أنني براجماتي في هذه الموضوعات. ففي المراجعة الداخلية الاستقلال موضوع مهم، لكن التعامل معه ليس كالتعامل مع المراجعة الخارجية، القضيتان مختلفتان تماما، المراجع الداخلي شريك في المؤسسة له مصالح فيها وعنصر أساسي في نجاحها، وهو يعمل من خلال هذا التصور ويقدم التوصيات التي تحقق هذا الهدف ويأتي بحلول ويشارك في الأفكار كاستشاري، لهذا يجب أن يتم تعيينه من داخل المؤسسة لأنه جزء منها وليس من خارجها، التوجه العالمي للمجلس الدولي يؤكد هذا أخيرا.
من أجل إعادة النظر في موضوع الاستقلال، أعاد المجلس الدولي النظر في تعريف المراجعة الداخلية، فلقد عدل موقع كلمة الاستقلال في التعريف تماما، التعرف الحالي يقول إن المراجعة الداخلية نشاط مستقل للتأكيد والاستشارات الموضوعية، فهو يؤكد أن يكون النشاط بذاته مستقلا. لكن في التعريف الجديد المقترح، الذي عرضه المجلس الدولي في اجتماعاته الأسبوع الماضي يقول إن المراجعة الداخلية نشاط تأكيد موضوعي يفيد المنشأة من خلال تقديم نصيحة، وإضاءة مستقلة عن الحوكمة وإدارة المخاطر والرقابة الداخلية، انتهى التعريف الجديد، ولأنني اجتهدت في الترجمة فإنني أرفق النص الإنجليزي هنا:
Internal auditing is an objective assurance activity that benefits an organization by providing independent evaluation, advice, and insight on governance, risk management, and internal controls.
وكما يلاحظ، فإن كلمة الاستقلال ما زالت موجودة، تأكيدا على أهمية الاستقلال لكن أين ومتى يكون هذا الاستقلال القضية الجديدة المطروحة. طوال أعمال المجلس والنقاشات المختلفة فيه، كان هناك إصرار كامل على قضية أن يكون المراجع الداخلي جزءا من المنظمة، ولهذا "وكرأي شخصي" فإن تعيين المراجع الداخلي يجب أن يبقى في يد المؤسسة وليس من خارجها، لكن يجب أن نضمن آليات تخرج هذا الموضوع عن يد المدير التنفيذي تماما، خاصة أن المجلس العالمي يقدم ويدعم مفهوما جديدا لاستقلال الرأي والخدمة وليس النشاط نفسه أو الوظيفة نفسها.
لم تقف موجة التغيرات العالمية هنا، بل أضاف المجلس العالمي تطورا جديدا للإطار المفاهيمي للمراجعة الداخلية عندما أدخل ولأول مرة مبادئ المراجعة الداخلية، وقد نص على 12 مبدأ ليس من بينها "كلمة" الاستقلال. من يعرف الإطار المفاهيمي السابق يدرك أنه لم يكن هناك ما يسمى المبادئ، بل هناك التعريف والمعايير، وقواعد السلوك، والإرشادات، لكن المجلس العالمي أضاف المبادئ هذه المرة، وكما قلت "وهي مفاجأة بالنسبة لمثاليتي" لم يكن الاستقلال جزءا منها، وكي أكون منصفا جدا وموضوعيا، فقد استبدل المجلس العالمي كلمة الاستقلال بمبدأ جديد هو "التموضوع" المناسب داخل المنظمة مع صلاحات تنظيمية كافية:
appropriately positioned within the organization with sufficient organizational authority. انتهي النص
هذه هي الرؤية العالمية الجديدة لموضوع استقلال المراجعة الداخلية، وأعتقد أنه يجب أن نعيد النظر نحن هنا في هذا الموضوع بحيث نقلل المخاوف من دور المراجع الداخلي وأن يركز المراجعون الداخليون على خدمة المنظمة كاستشاريين وخبراء منصفين، وموضوعيين، ونشاط قريب وخدمة أقل تكلفة، وفي الوقت نفسه نضمن لهم "وضعا" مستقلا مناسبا يمكنهم من إبداء الرأي بكل حرية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي