سي «الرخمة»
يعد "سي السيد" من أشهر شخصيات السينما المصرية، وظهر في ثلاثية نجيب محفوظ الروائية "بين القصرين، قصر الشوق، والسكرية"، التي كتبها في منتصف القرن الماضي، ويرمز الاسم إلى الرجل الذي يتعامل مع المرأة بالتهميش والإذلال والتعنيف بشقيه اللفظي والجسدي، ولا يخلو بطشه من استعبادها أحيانا.
شخصية "سي السيد"، التي ذاع صيتها في المجتمع المصري مع مطلع خمسينيات القرن الماضي لم تكن ظاهرة داخل محيط المصريين فقط، بل هي ظاهرة عانتها غالبية نساء المجتمعات العربية، وهو الأمر الذي دعا لإنشاء عدد من الجمعيات المناهضة للعنف ضد المرأة. بعد سنوات وعقود من ظاهرة "سي السيد" ظهر علينا "سي" آخر على النقيض من الأول، يصاب بالذعر إذا غضبت زوجته ويرتبك إذا عقدت حاجبيها، ويعاملها بأدب ويطيع كل قراراتها، وعندما تزجره يكتفي بانحناءة أمامها، ولو صفقته بـ "مخمس" لقبل يدها وقال لها "آسف لو أن كفك تألمت من ضرب خدي". هذا "السي" الآخر يمكن أن تطلق عليه "سي الرخمة" وأنت مرتاح الضمير، خاصة عندما تعرف أن يتعرض لجميع أنواع التعنيف في منزله، فالزوجات لا يكتفين بضربه وشتمه، بل لا يتورعن عن ارتكاب جريمة قتله أو بتر "رمز الرجولة" لديه، وهذا السلوك الإجرامي ــ وفق تقارير عربية ــ بدأ يأخذ مجراه في الانتشار في بعض الدول العربية خلال السنوات القليلة الماضية. لا تبتسم يا عزيزي القارئ ولا تسخر فالأمر وصل لدرجة الوباء، وعليك أن تعلم أن الكثير يشعر بمخاطر تمدده، وهو ما دفع لإنشاء جمعيات مناهضة للعنف ضد الرجل ربما أشهرها جمعية خيرية مصرية أطلق عليها جمعية "المستضعفون في الأرض"، تهدف إلى رصد حالات العنف التي يتعرض لها الرجل، والمساعدة على رفع الظلم عنه.
المركز القومي المصري للبحوث الاجتماعية كانت له الأسبقية في البحث والإحصاء عن ظاهرة تعنيف الرجل في المجتمعات العربية، وأشارت أحدث بحوثه إلى أن ثلث النساء المُعنِّفات لا يشعرن بالندم بعد الفراغ من جريمة تعنيف أزواجهن، كما أشار إلى أن التعنيف ينتشر بين النساء الأميات، ويصل إلى 87 في المائة مقارنة بالمتعلمات، وأن 5.6 في المائة منهن يستخدمن آلات حادة عند التعنيف.
حتى في المجتمع الخليجي، الذي يُوصف بالمجتمع الذكوري القاسي و"الحِمِش" ثمة تعنيف يتعرض له الرجل، والأدهى من ذلك أن 35 في المائة من المُعنِّفات الخليجيات يشعرن بالمتعة بعد ضرب وتعذيب أزواجهن. الجميل في كل الدراسات أن نسبة العنف لدى النساء السعوديات لا يتجاوز 5 في المائة، وفق إحصاءات وصفت بغير الدقيقة.