أخيراً في جدة .. مطار

سنحت لي الفرصة الأسبوع الماضي لزيارة مشروع توسعة مطار الملك عبد العزيز في جدة، لا أخفيكم سراً أن مشروع التوسعة أبهرني، ليس من حيث الحجم فقط، لكن أيضاً من حيث الإنجاز والإمكانات والمواصفات، وإن كان من شيء سيبقى في الذاكرة فهم الشباب المشرفون على المشروع الذين يبيّضون وجه الوطن بحق، وعلى رأسهم المهندس محمد عابد المشرف العام على المشروع.
توسعة المطار كما تم شرحها لنا؛ مقسمة على ثلاث مراحل، المشروع الحالي يهدف إلى إنهاء المرحلة الأولى التي بموجبها تصل طاقة المطار الاستيعابية إلى 30 مليون مسافر سنوياً، (حالياً يبلغ عدد المسافرين من مطار الملك عبد العزيز 22 مليونا)، الجدير بالذكر أن تكلفة المشروع تبلغ 27 مليار ريال، وكان من المقرر أن ينتهي في نهاية هذا العام، وسيتأخر إلى منتصف العام الذي يليه.
يشمل المشروع بناء مطار كامل جديد بكل مرافقه، مجمع الصالات، وبرج المراقبة، وممرات وساحة الطيران، والطرق والأنفاق والجسور، ومركز النقل، والخدمات المساندة . تبلغ مساحة صالة الركاب وحدها 700 ألف متر مربع، وتشمل الصالة خدمات السفر المحلي والأجنبي، الداخلي والدولي، وتتضمن 200 كاونتر لخدمة المسافرين إضافة إلى 80 جهازا للخدمة الذاتية، وفندق، الأكثر أهمية للمسافرين أنهم سيودعون حافلات مطار جدة للأبد، حيث يحتوي المطار على 94 بوابة صعود مباشرة للطائرات، و16 سيراً لاستقبال الأمتعة بسعة عالية متوجة بنظام متطور لنقل الأمتعة بطول 24 كيلو مترا، ويبلغ ارتفاع برج المراقبة 136 متراً، وتوجد في المطار خدمة النقل الآلي للركاب بقطار كهربائي من دون سائق بطول 700 متر تقريباً وبسرعة 45 ثانية للرحلة الواحدة. كما تمتد ساحات المطار على مساحة هائلة قدرها 1.5 مليون متر مربع، وبممرات طيران طولها 25 كيلو مترا، كما يضم المشروع شبكة طرق أرضية بطول 20 كيلو مترا، وبأنفاق ضخمة للخدمات طولها سبعة كيلو مترات، ويخدم المطار مواقف تتسع لـ 8200 سيارة.
المطار مرتبط بشكل مباشر بمحطة قطار الحرمين، التي تضم ستة أرصفة، لنقل المسافرين إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومسجد صمم ليكون معلماً بارزاً ليس لخدمة المطار فقط، بل لخدمة شمال مدينة جدة، ويتسع لثلاثة آلاف مصلٍ بمساحة داخلية قدرها 6700 متر مربع، وباحة خارجية للصلات بمساحة 2400 متر مربع.
جماليات التصميم حاضرة أيضاً في المشروع، تبدأ باستقبال المسجد المميز في مدخل المطار، ثم الشكل الهلالي الجميل للمطار المكسي بالشرائح الذهبية، وبرج المراقبة الجميل، والديكور الداخلي والتكسية المتنوعة لصالات المطار الداخلية.
أهمية المشروع لا تخفى على أحد، فمطار جدة لا يعني ساكنيها فقط، فهو بوابة المملكة لزوارها، فمنها يفد ضيوف الله، الحجاج والزوار والمعتمرون، وهو المُستقبل الأول لهم والمُودِع الأخير، هذا الدور الذي يقوم به المشروع يستلزم جهودا حثيثة ومكثفة وعميقة من جميع الجهات التي تمارس دورها في تشغيل المطار.
وبقدر ما حضر في ذهني من إعجاب واعتزاز بالمشروع، وسعادتي بإنجاز أحد أهم المشاريع لسكان مدينة جدة وزوارها، لم يعادله إلا ما داخلني من هواجس، تتعلق بمستقبل المشروع، فمر بذاكرتي مطار الملك خالد عندما تم تدشينه، وقد كان المطار الأجمل في ذلك الوقت، لكن - مع الأسف - لم يعد كذلك بعد سنوات قليلة!
مشروعنا الجديد أكثر تعقيداً وأكبر حجماً، لذلك فإنني أرى أن على المسؤولين في هيئة الطيران المدني أن يعملوا بجد من الآن لتحقيق النجاح الموازي للمشروع، وهو التشغيل الفاعل، بالشراكة مع شركاء النجاح، مثل الجوازات، وهي الجهة الأولى التي تستقبل المسافرين، والجمارك والجهات الأمنية، وخطوطنا الوطنية التي ستكون أكثر المستفيدين من المشروع، إضافة إلى الشركة المشغلة للمشروع التي يجب أن يتم اختيارها والتعاقد معها من الآن، لذلك فهناك حاجة ماسة إلى تكوين غرفة عمليات لتشغيل لمشروع، تقوم بدورها في توحيد الجهود لمرحلة التدشين، فتقصير إحدى الجهات سيفسد الصورة العامة للمشروع، ودور غرفة العمليات سيكون مركزاً على توحيد الجهود والتنسيق بين الجهات ذات العلاقة، والاستعداد لمرحلة التدشين وما بعدها، بما في ذلك تجهيز الكوادر، وترتيب البنية التنظيمية المساندة للمشروع، وتحديد العلاقات بين الجهات المستخدمة والمديرة والمستفيدة من المشروع، والتدريب المكثف المتواصل على الأنظمة والبيئة، ومثل هذا العمل له آلياته ووسائله ليتم بالشكل المطلوب، ويجب فيه الاستعانة بجهات لها خبرة عالية ومتخصصة في الترتيب والتدشين لمشاريع بهذا الحجم، ومن المهم أن نبدأ من اليوم، فالعد التنازلي قد بدأ، فالمدة المتبقية تقل عن ١٨ شهراً لبدء التشغيل. من الضروري التنبه للعديد من الأمور التشغيلية التي قد يراها المسؤول صغيرة، لكنها بالنسبة للمسافر بالغة الأهمية، مثل تنظيم سيارات الأجرة والمطاعم والأسواق وشركات الأجرة والفنادق، وأماكن الترفيه، والانتظار واللوحات الإرشادية ... إلخ.
أمر آخر مهم أيضاً وهو أن الحجاج ليسوا في بوصلة المشروع الجديد؛ فمبنى الحجاج الحالي سيبقى كما هو لخدمة الحجاج، وفي رأيي، أن ما كان صالحاً للحجاج قبل 30 عاماً لم يعد كذلك اليوم، فحجاج بيت الله جديرون بمعاملة أفضل واستقبال أرحب، واستقبال ووداع يليقان بمكانتهم كضيوف بيت الله، كذلك يليق بنا، وقد شرفنا الله بخدمة الحرمين ووفادة ضيوفه وسقاية حجاج بيته، خاصة أن أمورنا المالية في أحسن أحوالها، وهي رسالة للمسؤولين لعل وعسى أن تنال مدينة الحجاج منهم ما تستحق من إعادة البناء وليس التطوير فقط.
حجم مشروع توسعة مطار الملك عبد العزيز لا يمكن تخيله إلا لمن زاره، ولتقريب التشبيه يمكن مقارنته بالمطار الحالي، حيث يبدو كأنه ملحق سائق بجوار قصر السلطان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي