انخفاض المخزون يبقي أسعار النفط قوية
بقيت أسعار النفط قوية طوال فصل الشتاء مدعومة بقوة الطلب على زيت التدفئة في أمريكا الشمالية، تعافي النمو الاقتصادي وتراجع المخزون النفطي في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. حيث ارتفعت أسعار نفط خام غرب تكساس الوسيط في أسواق نايمكس فوق حاجز 100 دولار للبرميل على الرغم من أن إمدادات النفط في الولايات المتحدة مستمرة في النمو مدعومة بارتفاع الإنتاج من موارد الصخر الزيتي، الذي من المتوقع أن يسهم في دعم الإمدادات النفطية من الدول خارج منظمة أوبك بصورة كبيرة مرة أخرى هذا العام، في حين بقيت أسعار نفط بحر الشمال برنت ثابتة حول مستوى 110 دولارات للبرميل. منحنيات العقود الآجلة لأسعار خام غرب تكساس الوسيط وبرنت ظلت في حالة التراجع Backwardation، بمعنى أن أسعار الشهر الفوري هي أعلى من أسعار الأشهر اللاحقة، مما يشير إلى حالة التشدد في الأسواق، هذا تناقض صارخ مع الفائض الكبير في ميزان العرض والطلب الذي شهدته الأسواق العالمية في كانون الثاني (يناير).
السبب الرئيسي الآخر الذي أبقى الأسعار قوية هو أن الفائض الكبير في المعروض أصبح الآن طبيعيا في مثل هذا الوقت من العام. بناء المخزون الضمني للنفط Implied Stock في الفصل الأول من العام الحالي من المتوقع أن يتجاوز مليون برميل في اليوم، هذا فوق مستويات العام الماضي، لكن هذا البناء يأتي متماشيا مع التحولات في اتجاهات ''بناء / انخفاض'' المخزونات النفطية التي شهدتها أسواق النفط العالمية في السنوات الأخيرة، حيث إن التوازن الفضفاض بين العرض والطلب والبناء الكبير في المخزون النفطي أصبح الآن السمة الجديدة للربع الأول من السنة، ليس بالضرورة عاملا تنازليا على الأسعار Bearish.
إن التشدد في المخزون النفطي للدول الصناعية يلعب دورا في الحفاظ على حالة التراجع Backwardation، في منحنيات العقود الآجلة لأسعار النفط الخام. مستوى تغطية المخزون النفطي للطلب المستقبلي في البلدان الصناعية قد انخفض مرة أخرى في نهاية شهر كانون الثاني (يناير) إلى أقل من 55 يوما أو ما يعادل ثلاثة أيام أقل من متوسط المخزون خلال السنوات الخمس الماضية، وأربعة أيام أقل من مستواه في الوقت نفسه من عام 2013. العجز السنوي أكبر في مخزون المنتجات منه في مخزون النفط الخام. مع ذلك انخفاض معدل مخزون النفط الخام للدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في كانون الثاني (يناير) يعتبر مفاجأة نظرا لمدى قوة نمو الإمدادات من خارج دول منظمة أوبك. مع بدء موعد الصيانة الدورية للمصافي قريبا، من المتوقع أن ترتفع مخزونات النفط الخام، لكن مخزونات المنتجات سوف تستمر في الانخفاض.
التشدد في مخزون نواتج التقطير المتوسطة (وقود الديزل والكيروسين) كان واضحا للغاية، حيث إن الطقس البارد واستمرار التصدير العالي للمنتجات النفطية من الولايات المتحدة قد أضعفا من المخزون هناك، في حين استمر العجز المزمن في أوروبا. في الوقت نفسه، كانت مخزونات نواتج التقطير المتوسطة في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الوحيدة التي انخفضت في كانون الثاني (يناير)، حيث تراجعت بنسبة كبيرة تجاوزت 200 ألف برميل في اليوم، يأتي هذا التراجع بعد الانخفاض الذي شهدته في الربع الرابع من العام الماضي الذي تجاوز 400 ألف برميل في اليوم.
على الرغم من تراجع مخزونات (النفط الخام والمنتجات) في الدول الصناعية في الشهر الماضي بنحو 300 ألف برميل في اليوم، إلا أن المخزون التجاري العالمي ارتفع بأكثر من 650 ألف برميل في اليوم، حيث إن الارتفاع في مخزونات النفط الخام والبنزين كان أكثر من تراجع مخزونات نواتج التقطير المتوسطة. كانت المخزونات التجارية للدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد ارتفعت تقريبا مليون برميل في اليوم.
قوة الطلب العالمي على النفط ساعدت أيضا في توفير الدعم لأسعار النفط، حيث أسهمت الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وغير الأعضاء في نمو الطلب على حد سواء. في شهر كانون الثاني (يناير) ارتفع الاستهلاك العالمي من النفط بنحو 1.2 مليون برميل في اليوم (أو 1.3 في المائة). استمر الطلب على النفط في البلدان الصناعية في النمو على غير العادة، مرتفعا بنحو 1.1 في المائة للشهر الثاني على التوالي، في حين انتعش نمو الاستهلاك في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى 1.6 في المائة في الشهر الماضي، بعد ارتفاعه بنسبة متواضعة لم تتجاوز 0.3 في المائة في كانون الأول (ديسمبر).
في الواقع، كان نمو الطلب على النفط في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مخيبا للآمال على مدى الربع الرابع بالكامل، حيث إن تزايد الاضطرابات المالية في الأسواق الناشئة التي تعتمد على التمويل الأجنبي لنموها أسهم جزئيا في هذا الضعف في نمو الطلب. أحد العوامل الرئيسة لدعم الطلب على النفط في الأشهر المقبلة هو مدى قدرة الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على تجاوز المحنة الاقتصادية الحالية. البلدان الصناعية قد استأنفت بعضا من الركود في الطلب العالمي على النفط، لكن انهيار الطلب في الأسواق الناشئة من المرجح أن يضع ضغوطا تنازلية على أسعار النفط.
من جانب العرض، كانت السمة الأكثر تميزا في إمدادات النفط العالمية في كانون الثاني (يناير) هي استمرار المستويات العالية في إنتاج النفط الخام من جانب أعضاء منظمة أوبك في الشرق الأوسط خصوصا المملكة العربية السعودية، الكويت والإمارات العربية المتحدة. حيث إن استمرار تداول أسعار نفط خام بحر الشمال برنت في نطاق 105 إلى 110 دولارات للبرميل وعدم وجود تأكيد واضح لوجود فائض في ميزان العرض والطلب أعطى دافعا قويا لعدم إجراء أي تخفيضات في الإنتاج.
على المديين القريب والمتوسط تواجه دول منظمة أوبك تحديا من ارتفاع إنتاج النفط الخفيف الحلو من موارد الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، كما أن استئناف نمو الإمدادات من خليج المكسيك في الولايات المتحدة قد يعقد الأمور أكثر من ذلك. إضافة إلى ذلك التوقعات بخصوص البرازيل والسودان / جنوب السودان في تحسن، في حين أن باقي المنتجين خارج "أوبك" مثل اليمن وسورية ليس لديهم الكثير من الإنتاج ليفقدوه في هذه المرحلة.
في كانون الثاني (يناير) ارتفعت الإمدادات النفطية من خارج دول منظمة أوبك بأكثر من 400 ألف برميل في اليوم مقارنة بالشهر الذي سبقه، وبنحو 2.0 مليون برميل في اليوم مقارنة بشهر كانون الثاني (يناير) 2013، أسهمت الولايات المتحدة بنصف هذا النمو وبقية الدول من خارج منظمة أوبك بالنصف الآخر.