تنظيم سوق الإقراض المصرفي في السعودية
لم أكن لأعود إلى موضوع الفائدة على القروض الشخصية لو لم أقرأ الخبر الذي نشرته صحيفة (اليوم) السعودية في 21/2/2014، المنسوب إلى مصادر مصرفية، الذي يشار فيه إلى قرب صدور قرارات حكومية لتنظيم سوق الإقراض المصرفي في السعودية، وأن من أهم تلك القرارات تعديل نسبة الفائدة لتصبح تناقصية بدلاً من المعمول به حالياً وهي الفائدة المركبة. وأوضحت الصحيفة أن ذلك "يعني أن المصارف ستعمل على استحقاق الفائدة على القيمة المتبقية من الإقراض بخلاف السابق الذي يتم من خلاله استمرار المصرف في أخذ الفائدة من القيمة الإجمالية للقرض حتى آخر قسط، الأمر الذي سيكون في مصلحة المقترضين، ويخفف الأعباء المالية عنهم". فهل تعديل الفائدة بالشكل المذكور سيكون في صالح المقترضين؟ وهل بالفعل سيخفف الأعباء المالية عنهم؟ وفي خبر آخر لصحيفة "الاقتصادية" يوم 21/2/2014 بعنوان "مصارف محلية ترفع أسعار فائدة القروض التكميلية إلى 6.5 في المائة"، أكد طلعت حافظ الأمين العام للجنة الإعلام والتوعية المصرفية في المصارف السعودية أن أسعار الفوائد في المصارف المحلية هي "الأقل على مستوى المنطقة". أين الحقيقة؟
الحقيقة باختصار هي أن نسبة الفائدة على القروض لا تتغير سواء تم احتساب القرض بطريقة تناقصية أم على كامل المبلغ، مع الأسف لا يؤدي ذلك إلى تخفيف الأعباء المالية على المقترضين، كون ذلك ليس له علاقة بتكلفة القرض. كما أن نسبة الفائدة على القروض الشخصية التي تقدم بضمان المرتب الشهري للمقترض في المصارف السعودية هي بالفعل تنافسية إلى حد كبير، وهي بالفعل من أقل النسب في المنطقة ولا تزيد على مثيلاتها في كثير من الدول، باستثناء ما ذكر أعلاه عن تكلفة القروض التكميلية. وعلى الرغم من ذلك، فلدي عدد من التحفظات حول آلية تسعير القروض في المملكة وطريقة احتسابها، وقد تطرقت إلى ذلك في مقالات سابقة. قبل أكثر من ثلاث سنوات طالبت في مقال صحافي بضرورة قيام المصارف بالإفصاح عن التكلفة الفعلية للقروض حسب الأعراف العالمية، وقد تجاوب المحافظ السابق مع تلك المطالبة موضحاً أن المصارف تعمل على تصحيح طريقة عرض تكلفة الفائدة بالشكل المتعارف عليه، وبالفعل قامت بعض المصارف بإيضاح التكلفة حسب النسبة السنوية لهامش الربح (آي بي آر)، إضافة إلى هامش الربح الثابت. غير أنه لا يزال هناك لغط كبير بين الناس حول طريقة احتساب القروض والفرق بين احتساب سعر الفائدة بشكل تناقصي أم بشكل ثابت.
للإيضاح مرة أخرى، لو أن شخصاً تقدم على قرض شخصي بمبلغ 300 ألف ريال على مدى خمس سنوات، فقد يقال له إن سعر الفائدة 2.50 في المائة سنوياً، وعندها قد يظن الشخص أن تكلفة القرض متدنية جداً، لأن تكلفة الفائدة المماثلة في البنوك الإقليمية والعالمية وقتها قد تصل إلى ما بين 5 إلى 7 في المائة. هذه هي النقطة الأساسية في المطالبة بتصحيح النسبة المعلنة، كون الطريقة المتبعة من قبل المصارف في المملكة مبنية على طريقة حساب قديمة وغير معمول بها عالمياً، والصحيح في هذا المثال أن يذكر المصرف أن هامش الربح السنوي يساوي 4.735 في المائة، بدلاً من 2.50 في المائة. وفي كلتا الطريقتين النتيجة واحدة، فالشخص سيقترض 300 ألف ريال ويعيدها على شكل أقساط بواقع 5625 ريالا شهرياً، بغض النظر عن النسبة المعلنة. الخطأ في فهم الفرق بين الطريقتين هو أن بعض الناس يشير إلى أن نسبة الفائدة في الطريقة التناقصية تُحتسب على المتبقي من القرض وليست على كامل مبلغ القرض، وهذا صحيح ولكن لا فرق بين الخيارين التاليين: (1) احتساب نسبة 2.50 في المائة على كامل المبلغ، أو(2) احتساب نسبة 4.735 في المائة على المبلغ المتبقي، التكلفة واحدة في كلتا الطريقتين.
لمزيد من الإيضاح، في الطريقة الحالية يقوم المصرف بحساب فائدة سنوية بمقدار 2.50 في المائة من مبلغ 300 ألف ريال (أي 7500 ريال)، ويقوم بضرب ذلك بخمس سنوات لتصبح 37500 ريال، ويضيف ذلك إلى قيمة القرض ليصبح 337500 ريال، ومن ثم يقسمه على 60 شهراً، ليستخرج مبلغ القسط الشهري (5625 ريالا). في الطريقة المتعارف عليها عالمياً، يشير المصرف إلى أن سعر الفائدة 4.735 في المائة على القيمة المتبقية من القرض في بداية كل شهر، فتحسب في أول شهر على أنها 4.735 في المائة تقسيم 12 شهراً مضروبة بـ 300 ألف ريال. وفي الشهر التالي تحسب بالطريقة نفسها ولكن بعد خصم ما يخص رأس المال المقترض من القسط الشهري. فالقسط الشهري عبارة عن جزءين، مبلغ الفائدة ومبلغ سداد رأس المال، وتبعاً لذلك فإن رأس المال المقترض يتناقص شهرياً بعد تسلّم القسط الشهري بقدر الجزء المخصص لرأس المال. وعلى الرغم من أن رأس المال المقترض يتناقص بشكل شهري، إلا أن نسبة الفائدة المحسوبة على المبلغ (4.735 في المائة) أعلى من الطريقة التقليدية (2.50 في المائة)، فتكون التكلفة واحدة.
لاحظ أن نسبة 4.735 في المائة التي يعلنها المصرف هي العائد المتعارف عليه اقتصادياً، وهي التي يمكن مقارنتها بالعائد على العقار والأسهم وغيرها من الأصول، فالمصرف يحقق عائداً سنوياً مقداره 4.735 في المائة في هذا المثال، وليس 2.50 في المائة. عندما يقوم شخص بتأجير منزل يملكه أو شقق سكنية أو مكاتب تجارية، فإنه يتحدث عن العائد بهذا المعنى، ولا معنى للحديث عن عائد بمقدار 2.50 في المائة، بل لن تجد من يرضى بهذا العائد الضئيل.
هذا لا يعني أن لا حاجة هناك إلى تنظيم سوق الإقراض المصرفي في المملكة، بل إن هناك حاجة ماسة إلى إجراء تعديلات وسن تشريعات مهمة ذات تأثيرات بالغة في تكلفة القرض، وتشمل تحديد تكلفة الرسوم الإدارية التي يتم تحديدها حالياً بحرية مطلقة من قبل المصارف السعودية، وتصل إلى ربع نقطة مئوية أو أكثر في بعض القروض، ما يعني أن النسبة الواجب على المصرف الإفصاح عنها، سواء عمل بالطريقة التقليدية أو بالطريقة المتعارف عليها عالمياً، يجب أن تكون شاملة الرسوم الإدارية، لتظهر نسبة الفائدة بشكل عادل وسليم. علاوة على ذلك، تقوم بعض المصارف السعودية باحتساب الفائدة بطريقة مخادعة، وهي أن يتم احتساب الفائدة حسب عدد أيام السنة الميلادية، بينما يتم تحصيل الأقساط حسب عدد أيام السنة الهجرية، التي تقل بنحو 11 يوماً في العام الواحد. في المثال السابق، يجب أن تكون النسبة الفعلية التي تُعرض على العميل ويتم تسويقها من قبل المصرف في منشوراته على أنها نحو 5.15 في المائة، وهذه هي النسبة الحقيقية العادلة التي تتيح للعميل معرفة تكلفة الإقراض الذي سيُقبل عليه، ويستطيع مقارنتها بخيارات أخرى. أما المشكلة الأخرى فهي مشكلة السداد المبكر، حيث تُرك الحبل على الغارب، وسمح للمصارف بالتلاعب بصيغة العقد مع العميل، بحيث لا يمكن للعميل القيام بالسداد المبكر دون دفع فوائد سنوات لاحقة.