مؤشرات واقعية للاقتصاد السعودي

كل المؤشرات تدل على أن الاقتصاد السعودي يسير بخطوات ثابتة ومتوافقة مع الواقع على الأرض، دون مبالغات متوالدة من التمنيات. تراجعت معدلات التضخم إلى أدنى مستوياتها في عامين ونصف العام، وارتفعت مؤشرات الإنفاق الاستهلاكي، وعادت مبيعات الأسمنت إلى الارتفاع إلى مستوياتها التي سجّلتها قبل ستة أشهر. إلى جانب ذلك، حافظ المؤشر العام للسوق السعودية على مساره التصاعدي في الشهر الماضي. وإذا كان هناك جانب سلبي فهو التراجع الطفيف للصادرات غير النفطية. البعض لا يرى سلبية في هذا الأمر، ولا سيما أن الانخفاض ليس كبيراً. ولعل أهم نقطة في الوقت الراهن، هي تلك المتعلقة بمستوى الثقة باقتصاد المملكة، الذي سجّل ارتفاعاً، بينما دخلت الاقتصادات الناشئة الأخرى "عتمة أزمة"، تُنذر بالتحوُّل إلى أزمة؛ أي أن الثقة زادت في وقت يُفترض أن تراوح مكانها على أفضل تقدير.
كل هذه العوامل تمنح اقتصاد السعودية مزيداً من القوة والثبات، كما أنها تدفع بالاستراتيجية التنموية الشاملة التي تحدث في البلاد إلى الأمام، وتفتح مزيداً من الأبواب لدخول استثمارات جديدة. فالفرص المتاحة تدعمها الثقة المطلوبة. وهناك جهات فاعلة على صعيد الاستثمارات الدولية، ترغب في دخول السوق السعودية. صحيح أن هناك بعض النتائج ولا سيما تلك المتعلقة بالقطاع المصرفي، التي سجّلت "نقاطاً" أقل، لكنها في الواقع تدخل في إطار النمط الموسمي لها. وهذا ما يفسر ارتفاع قيمة الودائع لدى المصارف التجارية بنسبة 2.7 في المائة على أساس شهري في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وشكّلت ودائع القطاع الخاص معظم هذه الودائع، وفي الوقت نفسه تراجعت القروض المصرفية لهذا القطاع في الشهر المذكور. مع الإشارة إلى أن هذه القروض تراجعت أربع مرات في الأشهر الخمسة الماضية. وهذا أيضاً مرتبط بتباطؤ النمو على أساس سنوي، وهو أمر يصبغ الحالة العامة للاقتصاد العالمي.
ولكن بالمحصلة، كان الأداء العام للاقتصاد السعودي في العام الماضي جيداً، مع إشارات شبه ثابتة على أنه ماض في هذا الاتجاه في العام الجاري. رغم تراجع أسعار النفط في بداية الشهر الأول من هذا العام، وتحسُّن الأسعار في النصف الثاني منه، غير أن هذا لا يعني أن الأسعار ستظل على ما هي عليه في الأشهر المقبلة. إن أسعار النفط حالياً متأرجّحة. هناك عوامل كثيرة جديدة ومتجدّدة على صعيد الطاقة العالمية، ستترك بلا شك آثاراً سلبية على "الأداء النفطي" العام، لكنها لن تكون حاسمة، خصوصاً مع وجود سياسات نفطية سعودية جديدة، أُطلقت أساساً لمحاكاة المتغيرات في هذا القطاع الحسّاس. بما في ذلك الاستثمارات السعودية المزمعة فيما يُعرف بالنفط الصخري، وكذلك في الطاقة المتجدّدة، إلى جانب المشاريع الخاصّة بتنويع مصادر الدخل، الحاضرة على الساحة حالياً، مع مشاريع في النطاق نفسه، ستكون حاضرة في المستقبل القريب.
وفي كل الأحوال، تبقى المؤشرات الاقتصادية السعودية واقعية، وفي الوقت نفسه، تظل أفضل بكثير من مثيلاتها التي تتعلق بالاقتصادات الأخرى المشابهة. فهذه الأخيرة تعيش رعباً حقيقياً، ولا سيما أن شيئاً لم ينجلِ في أزمتها المتصاعدة. ويمكن للمملكة من خلال خططها الاستراتيجية الراهنة، أن تحافظ على المسافة التي تفصل بينها وبين الأجواء السلبية التي تحوم حول الاقتصاد العالمي، من خلال تكريس متسارع لمخططاتها. فالانتعاش حاضر على الساحة، رغم كل المؤثرات الاقتصادية الخارجية. هناك استحقاقات بلا شك، وهناك أيضاً عقبات قد تظهر، وهذا أمر طبيعي، خصوصاً وحال الاقتصاد العالمي لا يزال في مرحلة غير طبيعية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي