أثر زيادة المصارف رأسمالها
في إعلانات الشركات لنتائج العام الماضي يلاحظ المتابع أن كثيرا من الشركات خلال هذا العام زادت من رؤوس أموالها، خصوصا المصارف التي زادت رؤوس أموالها بصورة ملحوظة، حيث إن الأغلبية من المصارف المدرجة في السوق المالية زادت رؤوس أموالها من خلال رسملة الأرباح المبقاة لديها إلى رأسمال الشركة، وقد زادت سبعة مصارف من أصل 11 مصرفا رؤوس أموالها، وبلغ حجم زيادة رأس المال الإضافي لهذه المصارف أكثر من 25 مليار ريال، وإذا ما أضيف إليها مبلغ الزيادة في رأسمال المصرف «الأهلي» فإنه سيبلغ أكثر من 30 مليار ريال، وهذا يعادل حجم إنشاء عشرة مصارف بحجم مصرف «الجزيرة»، وما يقارب أربعة مصارف متوسطة بحجم المصرف «العربي»، ومصرفين كبيرين في السوق السعودية بمثل حجم مصرف «الإنماء».
هذه الزيادة الضخمة في رؤوس أموال المصارف في المملكة لها دلالاتها التي تعني أن هناك نشاطا كبيرا في التمويل، وأن هذه المصارف لديها أرصدة هائلة من السيولة النقدية التي تريد أن تجد لها متنفسا، كما أن هذه الإجراءات يظهر أنها تدخل في إطار سعي المصارف السعودية إلى الالتزام بمعايير بازل الثالثة، التي تشدد في الزيادة من قدرات المصارف على مواجهة الأزمات من خلال الزيادة في احتياطياتها، وزيادة رؤوس أموالها تجعل لديها قدرة أكبر على زيادة حجم التمويل، ولكن السؤال هنا: ما أثر زيادة رأسمال هذه المصارف بما يعادل هذا الحجم الكبير؟ والملاحظ أن هذا الإجراء تم في فترة متزامنة تقريبا، مما يعطي إشارة إلى وجود طفرة في التمويل في الفترة المقبلة، خصوصا بعد صدور نظام التمويل العقاري الذي يخول مؤسسات من غير المصارف أن تقدم التمويل العقاري.
زيادة رؤوس الأموال للشركات والمصارف مؤشر بصورة أو أخرى على تحسن السوق المالية في المملكة، ونموها ووجود فرص جيدة مستقبلا في هذه السوق، وقد تشهد الفترة القادمة إقبالا أكثر على سوق الأسهم السعودية، ولكن بصورة أكثر رشدا مما تم قبل أكثر من عشر سنوات، والتي حصل فيها للسوق فقاعة انعكست سلبا على كثير من المواطنين والشركات والمستثمرين، فزيادة عمق السوق، والتنظيمات الجديدة التي مكنت من إنشاء مجموعة من الصناديق الاستثمارية في الأسهم، إضافة إلى ما يتحدث به البعض من احتمال تمكين المستثمرين الأجانب من الاستثمار بشكل مباشر في السوق المالية السعودية بعد أن سمح لهم من خلال الصناديق الاستثمارية المصرح بها للمؤسسات المالية في المملكة، إضافة إلى التطوير في التنظيم والتشريعات عزز من كفاءة السوق المالية مما قد يحد من احتمالات التلاعب في السوق.
الزيادة في حجم رؤوس أموال المصارف بما يمكنها من توفير سيولة أكبر للتمويل والزيادة في توسعها وخدماتها، وذلك تجاوبا مع الطلب المتزايد في السوق المالية السعودية خصوصا مع التحسن العام في الاقتصاد والزيادة الكبيرة في المشاريع ووجود احتياجات أكبر للتمويل للأفراد والشركات وبعض القطاعات الحكومية، إضافة إلى أن التشريعات والتنظيمات الجديدة تعزز من فرص استثمارات المؤسسات المالية عموما، خصوصا ما يتعلق بسوق الصكوك والتمويل العقاري، وما يحتمل أن يتم مستقبلا من إنشاء سوق للسلع.
ولكن هل لدى المصارف استراتيجية للتوسع خارج المملكة خصوصا أنها استراتيجية بدأت تتوسع فيها الشركات، بل إن بعض المصارف مثل «الراجحي» لديه حاليا فروع في ماليزيا والكويت والأردن، ونحن نعلم أنه مع الحجم الكبير للسيولة التي تتوافر لدى المصارف جعلها تتنافس بصورة كبيرة في تمويل الأفراد من خلال التمويل الشخصي والبطاقات الائتمانية والتمويل العقاري، وزيادة الاستثمار في هذه المنتجات قد يزيد من الأعباء على المواطن ويضغط على الأسعار، فحصة المواطن من الديون الاستهلاكية يبلغ قريبا من 20 ألفا على افتراض قسمة حجم الديون الاستهلاكية السنوي على عدد السكان وحجمها باعتبار جميع المواطنين والمقيمين ستزيد حصة الفرد عن عشرة آلاف، خصوصا أن كثيرا من هذه الديون ليست في سلع معمرة، أو تعود على الفرد بصورة إيجابية مثل العقار.
كما أن المتابع لحالة التمويل عموما يجد حجم استثمارات كبيرة في المنتجات المالية التي تقدم للأفراد، وعروض المصارف للتمويل الشخصي تجد أنه يقدم بنسب مرابحة متدنية جدا في هذه الفترة.
فالخلاصة أن زيادة المصارف رؤوس أموالها تعكس تحسن الاقتصاد ووفرة السيولة، ومن المناسب عدم ضخ هذه الأموال في المنتجات التمويلية الاستهلاكية، والتركيز على القطاعات الاستثمارية، أو اقتناص الفرص خارجيا لحين استيعاب القطاعات الاستثمارية لهذه السيولة.