إني أتّهم

.. لماذا يمرض الجسد البشري في روحه وعقله؟
يمرض الجسد البشري في روحه وعقله عندما لا يكون الإنسان حراً من المعاناة، عندما يفتقد الحماسة، عندما يضيع بين تشوش الاتجاهات، عندما يضيّع الثقة وتضيع منه، هنا يمرض عقل الإنسان وجسده. السموم التي تصل للعقل تصل أيضا لنسغ الجسم الحي فتسمّمه. وبدون راحة النفس، ومعرفة الاتجاه الدقيق والصحيح، وبدون الحماسة التي توقد طاقة العقل والبدن، لن يكون هناك إنجاز ولا تقدم ولا تماسك ولا محبة، ولا أمان. ومن هم الأكثر تأثّرا؟ إنهم أجيالنا الطالعة، زهورنا اليانعة التي يجب أن نسقيها لتعطينا الثمار، فإذا بعضنا يسمّم تربتها فتكافح فقط كي تلتقط أنفاس الحياة. وهذه أكبر ضربة تتلقاها الأمة في قاعدة وجودها عندما تتوه شبيبتها، وتفقد حماستها، وتضيع ثقتها بنفسها، وتتمزق نفسيا بين تضارب الاتجاهات. من خوفي على الشباب أسترجع عملية الشد الفيزيائية من الجهتين.. مؤلمة!

من السبب؟ إني أتهم المتسببين!
إني أتهم من يخرجون علينا كل يوم بآراء لا تنفع الأمة، لتصب في أجندات ضيقة، وكثيرا ما تفقد الذكاء البناء، إنما اندفاع لتسيير ما في أذهانهم، ليس من أجل المبدأ والحق، وإنما من أجل التعاظم والكبرياء.
إني أتهم كل مسؤول في أي موقع الذي يعطي الوعود القوية، ولا يعرف أن هذه الوعود تقع في ملايين القلوب كسائل الحياة بعد عطش مميت. من لا يحترم وعوده، لا يحترم الناس. نقطة آخر السطر. وأجندته الضيقة ليست فقط تصريحات لفلاشات إعلامية، بل رسائل للأعلى بأن كل شيء على ما يرام.. والأعلى لا يرون إلا خطة مكتوبة، أو تنفيذا على الورق. من السهل على بعض المسؤولين رمي الوعود، ولا يعرفون العواقب ولا تهمهم ما دام المناخ الأعلى مشرقا. ولي واقعة مع صديق لي من أحد المسؤولين الكبار أعطاني وعدا، بل ذهب أكثر من ذلك وتحمس للوعد ووضع الخطة، وأعجبت بحماسته وصدّقته، وإذا هو وعد في الهواء، والأعجب طاقمه، إن تحدث تحدثوا، وإن تجاهل تجاهلوا.. حتى علاقاته العامة، وقلت لنفسي أرجو ألا يزجي الوعود على الناس وهو ليس قادر على تنفيذها. إني أتهم ضاربي "الوعود بلا تنفيذ"، هذه الوعود هي التي تمتص حماسة الناس كشفاطة خرطومها يصل لآخر نخاع العظام.
إني أتهم من يشقون، وبكل بساطة، صدوعا في جدار وحدة الأمة، ويسببون ضجة تصنع معارك داخلية، وهذه المعارك الداخلية تكون وقودا لآلة متربصي الخارج، فيتوسعون ويتمكنون، ولا يعلم مشققو الصدوع ـــ أو هم يعلمون ـــ أنهم يسهلون مهمة أولئك المتربصين لعمليات اختراقنا، لأنهم صنعوا لهم الشقوقَ كي يتسربوا لداخل جسد أمتنا. إني.. وبقوة، أتهم.
وأخيرا إني أتهم نفسي، أتهم ضعفي.. فسامحني يا ربِّي!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي