«وعد الشمال» .. دلالات معنوية واقتصادية

مشروع "وعد الشمال" ليس أقل من استراتيجية تنموية كبرى.. فيها من الدلالات المعنوية كما فيها من القيمة الاستثمارية الضخمة. ومن عناصر أهمية هذا المشروع الكبير، أنه جاء في إطار الخطة التنموية الشاملة التي تشهدها المملكة، والتي تشكل اقتصاداً آخر للسعودية، لا يرتبط بالمعايير التي قام عليها الاقتصاد المحلي طوال العقود التي أعقبت قيام المملكة. وعندما يعد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، بشيء فهذا يعني أن الأمر سيتم حتماً. ودخول مشروع "وعد الشمال" ضمن إطار الاستراتيجية التنموية الكبرى، يكرّس المشروع ضمن نطاق مستدام، ويجعله جزءاً من النسيج الكامل للتنمية الوطنية الشاملة، ولا سيما أن الاستثمارات التي رُصدت لهذه المنطقة، كبيرة تصل إلى أكثر من 36 مليار ريال، ستصنع بيئة اقتصادية مختلفة تماماً في المحافظات الشمالية.
مشروع "وعد الشمال"، ليس استثماراً من جهة إلى جهة، بل هو استثمار هائل بين جهتين: الأولى، راصدة للأموال.. والأخرى حاضنة لها. ففي المنطقة ثروات وإمكانات ستكون المحور الرئيس للمشروع، إلى جانب المحور الأهم، وهو تأمين المزيد من الوظائف لسكان المنطقة، وفتح آفاق تنموية جديدة، لا تحاكي الحاضر أكثر مما تحاكي المستقبل. فالمصانع التي تم الاتفاق على إنشائها، هي في الواقع محرّك رئيس لاقتصاد هذه المنطقة، كما أنها مختصة بالإنتاج المرتبط بالطاقة والبتروكيماويات وغيرها من تلك التي لا يتوقف الطلب عليها محلياً وإقليمياً وعالمياً. وهذه المصانع ستنشئ جيلاً جديداً من الخبراء في مجالها في المحافظات الشمالية، وهو أمر يصب في استراتيجية التنمية البشرية المطلوبة لكل مناطق المملكة، وليس فقط في الشمال. فمن الاتفاقيات الأولى التي وقعت، كانت مع المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، لإنشاء مركز تدريبي في مدينة "وعد الشمال"، لتأهيل أبناء المنطقة للعمل.
سيستقطب مشروع "وعد الشمال" أيضاً، الكثير من المستثمرين الأجانب في المستقبل. فهؤلاء بدأوا أصلاً باستهداف المملكة باستثماراتهم، بما في ذلك صناعة السيارات، خصوصاً مع وجود سلسلة من القوانين التي توفر التسهيلات اللازمة. فعلى المدى البعيد، لن تكون الأموال المستثمرة محلية فقط، يضاف إلى ذلك، أن قوة المملكة الاقتصادية، إلى جانب الاستقرار السياسي فيها، تجعلها دائماً محط أنظار مستثمري الخارج، وإذا ما أزيل ما تبقى من عقبات، فإننا سنشهد تدفقات مالية كبيرة، ستكون للمنطقة الشمالية حصة فيها. إن منطقة الشمال، ستُدعم أيضاً بشبكة من خطوط النقل المختلفة، لنقل إنتاج المصانع فيها إلى موانئ المملكة على الخليج العربي. وبذلك ستكون متصلة بشبكات النقل الإقليمية المختلفة. وإذا ما أضفنا الروابط الأخرى للمشروع، فإننا أمام "مصنع" لإنتاج الوظائف لسكان المنطقة. فمدينة "وعد الشمال" وحدها ستوفر ما يقرب من 6300 وظيفة.
هناك مشاريع كثيرة ستولد مع المشروع الكبير، من بينها أيضاً مصانع لإنتاج الألواح الشمسية، والأسمدة، والصناعات التحويلية وغيرها. دون أن ننسى، الناتج الذي سيأتي من خلال الخدمات المساندة، وإقامة المرافق الرئيسة من مساجد ومدارس ومنشآت صحية، ومرافق ترفيهية واجتماعية وأمنية ومراكز تجارية وفنادق وحدائق. والمدينة مرشحة لأن تكون ضمن المنافسين الرئيسين في صناعة الفوسفات على المستوى العالمي. كما أنها ستكون محفزاً، لصناعات أخرى جديدة، تدفع بمكانة المملكة أكثر في الحراك الاقتصادي الإقليمي والعالمي. إن المرحلة المقبلة، لن تكون مختلفة اقتصادياً بالنسبة لكل مناطق المملكة، عمّا كانت عليه في السابق، بل ستكون جديدة تماماً، في ظل رؤى تتحاكى مع المستقبل، إلى جانب، استثمار استراتيجي للعوائد والفوائض المالية التي تتمتع بها السعودية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي