انخفاض الأسعار ينفع أقواما ويضر آخرين
اللهم أرخص أسعارنا. دعاء نسمعه بين حين وآخر من خطباء جمعة بين وقت ووقت. هل نزول الأسعار حقيقة خير محض؟ لا، بل هو خير عند أقوام وليس بخير عند آخرين. ويمكن أن يفهم الموضوع بصورة عكسية. حيث إن التضخم ينفع أقواما ويضر آخرين، فعكسه أي الانكماش (في الأسعار) ينتج العكس.
تقنيا، ارتفاع المستوى العام للأسعار وبصورة مستمرة لا يمكن أن يحصل دون ارتفاع العرض النقدي بصورة أكثر من زيادة العرض. أي أنه وقود التضخم. من المهم جدا التنبيه على عبارة "المستوى العام للأسعار بصورة مستمرة". إن ارتفاع (انخفاض) سلعة أو سلع بعينها لظرف أو وقت بعينه غير مقصود هنا.
عكس التضخم الانكماش. ويعني انخفاض المستوى العام للأسعار باستمرار. ويقترن الانكماش بخفض أو نقص النقود في الاقتصاد.
وللفائدة، عرض النقود يقاس بمقاييس عديدة يعرفها أهل الشأن، وليست من موضوعنا.
التضخم حسن عند المقترضين، وسيئ عند المقرضين. والعكس بالعكس. مثلا، عندما تقترض مالا لشراء عقار أو سيارة، ثم تنخفض الأسعار، فأنت متضرر.
ماذا بشأن قطاع العقار؟ يعمل ارتفاع أسعار العقار على نقل الثروة ممن هم خارج سوق العقار أو ممن يدخلون السوق إلى الملاك والمطورين.
ينظر إلى قدر قليل من التضخم على أن له تأثيرات إيجابية في الاقتصاد. أحد الأسباب أنه ينظر إليه على أنه ضغط خطر كامن، يعمل على تآكل قيمة النقود، ما يعطي حافزا لأصحاب المدخرات لاستثمارها، بدلا من مشاهدتها تتآكل. والمستهلكون يشترون مع توقع ارتفاع أو بقاء الأسعار. وهذا يعني أن هذه التوقعات التضخمية تعمل على حركة عجلة الاقتصاد. وتوقع انخفاض الأسعار يحمل الناس على الإمساك عن الشراء. والإمساك عن الشراء يجر إلى خفض حجم الاقتصاد. لذا يجري الحديث هذه الأيام، وبجدية قوية، في الغرب عن احتمال انخفاض الأسعار (الانكماش) وتأثيراته السلبية في الاقتصاد. ومن أسباب هذا الاحتمال التوجه أو التفكير بالتوجه لخفض التحفيز أو التيسير النقدي، أي خفض ضخ النقود في الاقتصاد، وخاصة من قبل مجلس الاحتياطي (الفد) الأمريكي خاصة.
تقترن موجات التضخم بالازدهار الاقتصادي. وتقترن موجات الانكماش بعكس الازدهار. والانكماش يعني ارتفاع قيمة النقود. وارتفاعها يغري الناس بالإمساك عن الصرف، وكأن لسان حالهم يقول لماذا أشتري سلعة اليوم وسعرها سيكون أقل غدا؟ الإمساك يجر إلى تقليص أو انخفاض الطلب، وهذا بدوره يجر إلى تقليص حجم القطاع الخاص، وانخفاض أرباحه، وخسارة وإغلاق عدد كبير من منشآت القطاع الخاص. وتلك تجر إلى تقليص اليد العاملة وزيادة البطالة، التي بدورها تعمل على تقليص الطلب، وهكذا في دوامة من الأفعال وردود الأفعال.
ردود الفعل السابقة تتطلب وقتا. ومن ثم لنا أن نقول إن انخفاض المستوى العام للأسعار بصورة مؤقتة ليس سيئا. المشكلة في استمراره. وهذا يفسر لنا لماذا لجأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى ضخ النقود أو ما يسمى التيسير الكمي، لمعالجة انخفاض الطلب إثر الأزمة المالية العالمية عام 2008. ولم ينتج هذا الضخ طلبا مرتفعا بصورة كبيرة، ولم ينتج معدلات عالية من التضخم، لأنه جاء بعد أزمة مالية فاقتصادية أنتجت بطالة وانكماشا في حجم الاقتصاد. وكان رئيس الاحتياطي برنانكي السابق تلميذ الكساد الاقتصادي، ولديه خبرة ومعرفة بالأحداث المتعاقبة لانكماش الاقتصاد الياباني خلال التسعينيات.
ما ذكر عن القطاع الخاص، فماذا عن القطاع العام؟ في الدول المعتمدة على الضرائب، تقلص حجم القطاع الخاص يعني تقلص حجم الضرائب، ما يعني تقلص الإيرادات العامة، وهذا يدفع إلى خفض عدد موظفي الحكومة (وخدماتها وعملياتها). أما في دول مثل المملكة التي لا تعتمد ماليتها العامة على الضرائب، فإن انخفاض المستوى العام للأسعار مع احتفاظ موظفي الحكومة برواتبهم ومراتبهم يعني أنهم في حال أحسن. أي أن موظفي الحكومة على عكس موظفي القطاع الخاص في التأثر بانخفاض الأسعار. لكن هذا الوضع لن يستمر طويلا جدا، لأن اقتصاد الدولة مفتوح جدا، ومالية الحكومة تعتمد كثيرا على أوضاع الاقتصاد العالمي. وشرح هذه النقطة يطيل المقال.