المركزية الإدارية .. وتعثر المشاريع
هل صحيح أن الإدارة كما قال شاهد من خبرائها، هي عبارة عن أمراض نفسية ترجمت إلى إجراءات؟! ولذا يشتكي الجميع من تعقيد الإدارة وإجراءاتها، مع أنهم هم الذين نسجوا حولهم هذا النسيج واحكموا عقده، حتى لا ينفذ من خلاله إلا ما تشتهي أنفسهم بإشارات ومبررات متفق عليها!
وعندما نبحث حالياً عن أسباب تعثر المشاريع فإننا لا نذكر المركزية ضمن أهم الأسباب، مع أنها داء الإدارة الأول وسرطانها، وهذه المركزية تفرخ في بيئة لا يتنفس الموظف فيها إلا بإذن رئيسه. ثم ينتقل هذا الموظف المرؤوس ليتولى مركزاً قيادياً فيمارس على مرؤوسيه ما كان يتعرض له ويعانيه!
والغريب أن من يعيش في بيئة "مركزية" لسنوات ثم يمنح الصلاحيات لا يستطيع ممارستها، لأن قدراته أصبحت معطلة وتعوّد على تلقي الأوامر دون مناقشة بدل إصدارها، أو التنفيذ دون الرجوع إلى أحد يسأله عن أدق التفاصيل، ويطلب الموافقة والتوجيه في كل خطوة يقدم عليها.
ولقد سمعنا عديدا من القصص عن موظفين في جهات عاشت سنوات طويلة تحت "هيمنة" المركزية القاسية، ثم مُنح هؤلاء بعض الصلاحيات التي كانوا يطالبون بها ويتخذونها عذراً للتقصير، ومع ذلك لم يمارسوها بالشكل المهني الصحيح.. ولذا فقد حار رؤساؤهم، هل يستعيدون صلاحياتهم ويواصلون مسيرة المركزية، أم لا بد من تغيير الموظفين إذا تعذر تكيفهم مع الوضع الجديد؟! وجهة أخرى يؤمن المسؤول فيها باللجان، حتى أنه شكل خلال تسعة أشهر فقط 67 لجنة، ثم وصل الأمر به أن أمر بتشكيل لجنة لتقييم أعمال هذه اللجان!
هذه مجرد نماذج، لكن بصورة عامة يمكن القول إن داء المركزية يعصف بالإدارة في العالم الثالث بشكل عام، وهو من الأسباب الرئيسة وراء تعطيل كثير من الأعمال والمشاريع والأفكار، التي كانت ستجعل عملية التنمية أسرع وأفضل. بل إن المركزية وسوء الإدارة عموماً تشكل حسب دراسة ـــ تعثر المشاريع في العالم العربي ـــ نحو 80 في المائة من مجمل الأسباب.
وأخيراً: لا شك أن الأمر يستدعي دراسة كيفية القضاء على المركزية أولاً وإعطاء الثقة للكوادر الجيدة لإدارة الأعمال واتخاذ القرارات، مع وجود الرقابة والمحاسبة بعد اتخاذ القرار وليس قبله، حتى لا يخيم شبح الخوف على طبقة القياديين ومتخذي القرار، ومن ثم اعتمادهم الحكمة القائلة "لن تُسأل عن قرار لم تتخذه ولكن تسأل عن القرار الذي أصدرته". وهنا يعم التردد والتأخير وتعطيل الأعمال، وبالتالي التأثير السلبي على وتيرة دوران عجلة التنمية التي نريد أن تدور بسرعة لتدارك ما فات من سنوات انتشار داء المركزية، خاصة أن الإمكانات متوافرة لعمل الكثير في شتى مجالات التنمية وتحسين الخدمات التي يشتكي المواطن من عدم توافرها، أو تقديمها بمستوى لا يليق بدولة لديها كل الإمكانات المادية والبشرية.