رحلة البحث عن مركز

كتبت الأسبوع الماضي عن رحلة التشخيص التي تطول، حين يشك الأهل أن بطفلهم أمرا ما قبل أن يبدأوا العلاج فإنهم سيستغرقون وقتا ليس بالقصير للبحث عن التشخيص، فلا توجد جهة ثابتة تقوم بالتشخيص بالشكل النموذجي لحالات اضطراب النمو الشامل، ومواعيد المستشفيات متباعدة جدا لا تصلح للشأن العاجل، لكن أيا كانت الحالة فالعلاج والتأهيل موحد لكل من أصيب بأحد اضطرابات النمو الشامل التي يندرج تحتها التوحد وتشتت الانتباه وفرط الحركة وغيرها.
بعدما عرفت التشخيص بدأت رحلة هم البحث عن مركز جيد ولأنني أبحث عن الممتاز تعبت وضحكت وبكيت من الموجود، كنت أبدأ الصباح بالدوران بحثا عن مخرج أي مركز! سمعت عن مركز افتتحته أم لمصاب فقلت مؤكد أنه سيكون مختلفا، واتصلت رغبة في الوصول إلى مركزها، فقد كنت أعرف في أي منطقة هو، لكن أردت الوصف بالضبط فلم تصف لي المكان، وبدأت تسألني عن ابنتي طويلا وكأنني شكوت لها أمري في حين أني لم أقل لها إلا: "من فضلك ممكن وصف المركز بالضبط، أنا في الطريق إليكم"! كانت بداية هاتفية واضح أنها تخلو من المهنية. وصلت، وإذا المركز بائس جدا ومحبط، وتم توزيع الأنشطة بناء على رأي الأم صاحبة المركز وليس على معايير عالمية، مثلا تقسيم الفصول، الذي يفترض أن يكون مبنيا على المستويات، فأصحاب القدرات المتشابهة يكونون في فصل واحد، فوجئت بأن تقسيمهم مبني على أولاد وبنات! الأولاد في فصل والبنات في فصل! بدأت أشعر بأن المكان برمته من مسببات التوحد بجوه وكآبته وتخبيطه.
تركته غير مأسوف عليه، لأتوجه إلى آخر يقال إنه أفضل مركز في الرياض ولا يمكن الدخول إليه إلا بواسطة. ذهبت إليه، مبنى رائع مجهز ومركز تدريب ولقاءات مع سفارات أجنبية ومشاركات ومديرة أروع قابلتها - والحمد لله - قبلت غادة في المركز. الغريب أن قيمة هذا المركز الجيد نفسها قيمة المركز البائس السابق، الأسعار المرتفعة متفق عليها لمجرد أن المجال في الاحتياجات الخاصة بغض النظر عن نوع الإمكانات وجودتها.
سعدت كثيرا للقبول الذي لا يحدث إلا نادرا، فالمبنى على ضخامته لا يوجد فيه إلا 30 طفلا توحديا فقط. مع الأيام علمت أن معلمة غادة ليست متخصصة، ويبدو أيضا أنها ليست متحمسة لعملها، إنما للراتب فقط كما يبدو وهي مشغولة بإكمال دراستها! ثم لسبب أجهله ومشاكل توالت فشل المركز وتركته كوادره الأكفاء، منهم من استقال ومنهم من طرد! ولم يبق غير إداريين يعرفون جيدا كيف يسيئون التعامل فأصبح المركز لا شيء بعدما كان رائدا على الأقل بالنسبة للمراكز الأخرى.
"أفضل السيئين" هذا هو المعيار للمركز المناسب الذي عادة يبحث عنه الأهالي.
وفقت أخيرا في مركز هو أروعها حتى اليوم تقوم عليه أم عاشت التجربة وتؤمن بالمهنية. معلمة غادة خريجة دبلوم في التوحد مدة سنتين من وزارة الشؤون الاجتماعية، دبلوم مُركَّز. "أبلة هيا" لديها شغف بعملها ودافعية عالية كانت تعمل مع غادة بحب كبير وحماس أكبر وبالتأكيد كان لهذا أثره، كنت حين أتوجه صباحا للمركز السابق تبكي غادة وتعود باكية، أما الأخير فقد كانت غادة تذهب إليه وتعود بسعادة. أتأمل كيف أن شخصا واحدا فقط يتقن عمله فيصنع فارقا كبيرا.
"أبلة هيا" لم تبق طويلا وسافرت للشرقية إلى مركز آخر تابع لـ "أرامكو".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي