«بدينا نخبص»

أصبحت أخاف كلما تحدث مسؤول عن تطبيق تجارب الدول المتقدمة لدينا، خصوصاً التجربة الألمانية. مصدر خوفي هو أن هؤلاء يكتشفون فشل ما يفعلونه الآن، فيحاولون تأخير بروز الفشل سنة أو سنتين.
تحدثت وزارة الصحة عن الاستفادة من التجربة الألمانية في تقديم الخدمة الصحية، واكتشفنا بعد سنين أن مستوى الخدمة يتردى، وعدد الأسرّة مقارنة بتعداد السكان ينخفض، والتكاليف ترتفع. اكتشفنا كمواطنين هذه الحقيقة خلال أقل من خمس سنوات. أما الوزارة فيبدو أنها لا تزال مقتنعة بالمفهوم، ولكن بتطبيق تجربة دولة أو دول أخرى.
ظهرت بعد ذلك حالة المؤسسة العامة للتعليم التقني والمهني. جاء الألمان وذهبوا لتنخفض مستويات مخرجات الكليات التقنية، وتلغى المعاهد الصناعية وتضطر كل الجهات الموظفة لإعادة تدريب الخريجين وتأهيلهم من جديد. لتستمر المؤسسة في الدوران في حلقة مفرغة.
أظن العدوى أصابت وزارات أخرى لكنني لا أستطيع تأكيد ذلك، لأنني لم أطلع على تجارب كل الوزارات وتوجهاتها. المؤكد أن التجربة الألمانية لا تتفق مع وضع المملكة، لاختلاف نوعية المستفيدين وتوقعاتهم، وطرق تقييم الخدمات ومستوى البنية التحتية والمدخلات التي يجب تحليلها بعقلانية ومنطق.
أدعو وزارة التربية والتعليم إلى إعادة النظر في توجهها الذي سيعيد للواجهة التجارب الفاشلة السابقة. التجربة الألمانية في مجال برامج التربية الخاصة لا تناسب المملكة لأسباب كثيرة:
أولها أن الوزارة لا تؤمن بتخصص التربية الخاصة، فهي كلفت مدرسي التربية البدنية واللغة العربية بتدريس طلبة التربية الخاصة بعد الحصول على دورة في المجال، بينما لا يمكن أن يعمل مع طلبة التربية الخاصة في ألمانيا إلا المحترفون الحاصلون على درجة البكالوريوس في المجال.
الثاني أن تكلفة الطالب في ألمانيا تعادل تكلفة 13 طالبا من الطلبة العاديين ولهم مدارس خاصة بمنشآت ومعدات مُكلِّفة، وهو ما لا تؤمن به الوزارة، فهي تحاول دمج الطلبة وخلط "الحابل بالنابل". الثالث أن واحدا من كل 21 طالبا في ألمانيا يعامل بطريقة خاصة، وهذه النسبة تجعل عدد طلبة التربية الخاصة في المملكة يتجاوز 250 ألفا، وهذا يوقع الوزارة في حرج لأنها لم تحقق الحد الأدنى من المتطلبات البنيوية للسير في مشروع طموح كهذا. أدعو الوزارة لتعيين خريجي التربية الخاصة الحاصلين على البكالوريوس مبدئياً، كإشارة لاحترام التخصص، ومن ثم التخطيط المنطقي العقلاني للتطوير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي