تنويع القاعدة الاقتصادية .. وسن اليأس

قفز ترتيب المملكة من حيث الإنفاق العام على التنمية من المرتبة التاسعة قبل خمس سنوات إلى المرتبة الثالثة عالميا بعد الصين والبرازيل، حسب مؤشر أجيليتي للأسواق الناشئة.
ومع ما حققته المملكة من تنمية شاملة في الخدمات والبنية الأساسية، إلا أن خريطة طريقنا الاقتصادية "الهيكل الاقتصادي أو النموذج" لا تلعب القاعدة الإنتاجية فيها دورا مؤثرا أو ثقلا وازنا يعيد للإنفاق جدواه الاقتصادية وأقيامه المضافة كما ينبغي، فصانعو القرار الاقتصادي يطرحون غالبا سردا نظريا مكرورا عن تنويع القاعدة الاقتصادية والجودة والكفاءة، بل يصعدون إلى تحقيق اقتصاد المعرفة ونحن، بعد، لم نقو حتى على صناعة الدراجات العادية .. ودعوكم من تجاسر جامعة عريقة على إشاعة صناعتها سيارة "غزال" من الهواء الطلق!!
هذا الإسراف في الطرح النظري الاقتصادي من خلال الأمنيات المصاغة بالأهداف والسياسات والاستراتيجيات التي يعاد إنتاجها، مع الحذف والتعديل أو الإضافة في خططنا التنموية لا يمكن أن ينجم عنه الاقتصاد الفعلي، إنما يحدث هذا حينما تكون المشاريع الإنتاجية واقعا حيا مالكة عناصر المنافسة، قادرة على الاستدامة بتوليد أقيام اقتصادية مضافة في الرأسمال البشري أولا وفي الثروة الوطنية أيضا.
فأين صناع القرار الاقتصادي من كل هذا؟ فها نحن لولا الخطوة العملية العظيمة في إنجاز فخرنا الاقتصادي في المشاريع البتروكيماوية لما صار لنا فرس يشار إليه في مضمار السباق في هذا المجال .. ولو لم يبادر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله إلى إنشاء المدن الاقتصادية لما صارت وعدا فعليا بالإنتاجية مع أن هذه وتلك لم تكن في الخطة، لكن الخطة التحقت بها!
لماذا نقول هذا؟ لأن عبارة "تنويع القاعدة الاقتصادية" عبارة أصيبت لكثرة تكرارها قولا وكتابة بالإعياء وكادت تبلغ سن اليأس دون أن "تلد" اقتصادا منتجا رغم الأهداف والسياسات والاستراتيجيات ومؤتمرات التنافسية فما زال النفط سيد الموقف .. ولولا بعض المشاريع ــــ وأكثرها استهلاكي، قام بها القطاع الخاص، لما أمكن للناتج المحلي الإجمالي أن يحتفي في مكوناته بإسهام القطاع غير النفطي.
نعم.. صعبة هي القطاعات الإنتاجية وشروطها أصعب، لكن في دولة لم تبخل على توجيه اتفاق هائل لكل ما يقترحه عليها أصحاب القرار الاقتصادي، تصبح الكرة في مرمى صانعي هذا القرار دون شك .. ليس بالفزعة إلى مواضيع الإنشاء والتعبير عن الاقتصاد والإنتاجية والتنافسية، ولا بالهرولة إلى إنشاء أي صناعة والسلام، إنما بالتطبيق على أرض الواقع والتحسب لجدوى وجوهرية ما ينبغي إنشاؤه .. فالحماس على سبيل المثال، لصناعة السيارات مثير وباعث على الإحساس بالغبطة، لكن لا بد أن يتم التحوط اقتصاديا من عدم تضليل هذا الحماس لنا، فقد جئنا متأخرين جدا، في زمن دخلت فيه هذه الصناعة مسارات تقنية ذكية أخرى، ما يدعو للتساؤل: عن مدى صمود هذه الصناعة في سوق المنافسة الشرسة؟!
نعم .. القطاعات الإنتاجية "صناعة وتقنية" صعبة وشروطها أصعب .. لكن الإلحاح عليها شأن استراتيجي، ينبغي معه أن نتأكد أن ما نقوم بإنشائه من وحدات إنتاجية تملك الشروط التنافسية وقادرة على الاستدامة .. وهذا لن يكون إلا بالتخطيط بالمشاريع والبرامج وليس بثرثرة الأهداف والسياسات والاستراتيجيات، لعلنا نستطيع تدارك عبارة "تنويع القاعدة الاقتصادية" من أن تبلغ سن اليأس. فهذا ما يريده خادم الحرمين الشريفين حين يسأل ماذا فعلتم للمواطن؟ وما يقصده حين يقول: ما لأحد عذر .. فالمواطن والوطن يريدان صناعة التنمية "المستدامة"، لا سين وسوف عنها!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي