الرواتب لا تعكس وحدها قوة الطلب

ملأ السعوديون دبي في إجازة منتصف العام الدراسي. بعض الناس يرى في هذا عجبا: كيف يتشكى السعوديون (المقصود أكثريتهم) من تدني رواتبهم ونرى كثرة أسفارهم وارتفاع مصروفاتهم؟ والمسألة طبعا نسبية. وللتوضيح، أقصد بالراتب كل ما يحصل عليه الموظف أو العامل من دخل ثابت من وظيفته.
تدني الرواتب النسبي ضلل كثيرين في فهمهم للأسعار ودخول الناس وقوة الطلب. كم من كاتب خلال السنوات الماضية بشر الناس بانهيار وشيك لأسعار الأراضي، وكان مستندهم التدني النسبي في رواتب أغلبية موظفي الحكومة والقطاع الخاص.
نظريا، قياس القوة الشرائية، أي قوة الطلب على مختلف السلع والخدمات من خلال الراتب غير دقيق ومن ثم فهو مضلل. وتؤكد ذلك البيانات. وللتوضيح اشتهر عند الناس إطلاق تعبير دخل ويقصدون به الراتب ونحوه من رزق مستقر ثابت مصدره عادة العمل.
حسب موقع مصلحة الإحصاءات العامة، ارتفع تعويض العاملين في جميع القطاعات (حكومية كانت أو خاصة) من 299 مليار ريال عام 2005 إلى 535 مليار ريال عام 2012، أي بزيادة 56 في المائة.
وتوضيحا، أقدر أن نفقات الحكومة في الباب الأول من الميزانية (الأجور) زادت بنسبة في حدود 80 في المائة خلال الفترة نفسها. وهذه النسبة تشمل زيادة الرواتب والعلاوات والترقيات كما تشمل التعيينات الجديدة. أما أغلبية العاملين من سعوديين وغير سعوديين في القطاع الخاص، وعددهم لا يقل عن ضعف عدد العاملين في الحكومة، فمن البعيد جدا أن دخولهم من العمل زادت أكثر من 50 في المائة.
ومن ثم لنا أن نقول إن زيادة أجور الناس من العمل من كلا القطاعين كانت في حدود 60 في المائة. وهو رقم قريب جدا من رقم المصلحة في نسبة ارتفاع تعويضات العاملين في جميع القطاعات وجميع الجنسيات.
وحيث إن نسبة كبيرة من التعويضات تتسرب إلى الخارج (تحويلات غير السعوديين في السنة لا تقل عن 100 مليار ريال) فمن المتوقع أن الزيادة في دخول الوظائف التي أنفقت محليا لا تزيد على 45 في المائة بين عامي 2005 و2012.
في المقابل، ارتفع الإنفاق الاستهلاكي الخاص من 313 مليار ريال عام 2005 إلى 750 مليار ريال تقريبا عام 2012 (المصدر موقع مصلحة الإحصاءات)، أي بزيادة نسبتها 150 في المائة تقريبا. وطبعا وقعت هذه الزيادة مع وجود تحويلات الأيدي العاملة غير السعودية، التي لا تنفق محليا.
يلاحظ أن الإنفاق الاستهلاكي الخاص أعلى بكثير من تعويضات العاملين. وأهم من ذلك، أنه يلاحظ، وخلال الفترة نفسها، أنه قد زاد زيادة في حدود ثلاث مرات الزيادة في دخل العمل بعد استبعاد تحويلات غير السعوديين إلى الخارج.
السؤال التالي: ما تفسير ذلك؟
الإنفاق الخاص يعتمد على عوامل عدة أهمها الدخل الشخصي. والعمل هو أهم مصادره في العادة.
يلاحظ في الاقتصادات المعتمدة على تصدير النفط، انخفاض نسبة مصدر دخل العمل من الدخل الشخصي المتاح، مقارنة بأغلبية الدول الأخرى. ويلاحظ أيضا تناقص دخل العمل إلى الدخل الشخصي مع نمو ارتفاع إيرادات النفط أكثر من نمو باقي القطاعات.
هنا مزيد توضيح عن الدخل الشخصي من غير العمل. يمكن القول إن هناك نوعين رئيسين من الدخول الشخصية: دخل عمل أو إنتاج (وظيفة أو بالقطعة مثلا) ودخل غير عمل، أي من دون أي نشاط. جزء كبير من هذا الدخل لا يسجل في سجلات الهيئات الإحصائية، لكنه قطعا مؤثر في التفاعلات المحركة للأسعار.
من أمثلة الدخل الشخصي دون عمل الهبات والمساعدات والإعانات، والضمان الاجتماعي ومكافآت الطلاب، والإعفاءات من القروض، والقروض التي يتراخى في تحصيلها. ومن الأمثلة أيضا أعطيات الوالدين والدخل الناتج من الأوقاف والمواريث. ومن الأمثلة دخل الأسهم وتأجير العقارات، ولو أن البعض يعدها دخولا من أنشطة استثمارية.
من الأمثلة أيضا العمولات التي يحصل عليها الكفلاء لمجرد استخدام أسمائهم في نشاط مكفوليهم من الأيدي العاملة غير السعودية أو ما يعرف باسم التستر. ومن الأمثلة أيضا الرشا.
دخول غير العمل تؤثر، حين تنفق، على الأسعار، سواء أسعار العقار أو غيره.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي